مقدمة
استجابة للدعوة الكريمة التي تلقيتها من النادي الأدبي بالرياض للمشاركة بالملتقى الخامس للنقد الأدبي في فن الرواية فيسرني المشاركة بورقة عن الفن الروائي وبداياته بالمملكة، وقسوة النقد، وقد اخترت نموذجين للنقد، الأول محمد حسن عواد وهو ينقد قصتي عبدالقدوس الأنصاري (التوأمان) و(مرهم التناسي)، والثاني أحمد عبدالغفور عطار ونقده لفكرة أحمد السباعي.
تمهيد
قبل ما يقرب من تسعين عاماً عرفت المملكة الرواية كجنس أدبي وهي كأي عمل ينشأ من جديد.. ويعود الفضل لواضعي البذرة الأولى.. ولا بد لكل جديد من عثرات وسقطات.. ومع المران والتكرار ينضج العمل ويكتمل.. ويستوي على سوقه.. ولا بد لنا من أن نذكر الرواد الأوائل ونشكرهم على محاولاتهم حتى لو كانت متعثرة.. وألا نقسو عليهم ونطالبهم بمستوى إبداعي فوق طاقتهم.. فكل شيء يبدأ من الصفر.. فيولد صغيراً وينمو شيئاً فشيئاً حتى ينضج ويكتمل.. ويرقى إلى المستوى اللائق.
النشأة والتأسيس
أجمع الباحثون والمؤرخون على أن عام 1349هـ 1930م هو بداية تأليف الرواية في المملكة – وكان يطلق عليها القصة الطويلة – إذ بدأ عبدالقدوس الأنصاري بإصدار روايته (التوأمان) التاريخية والتي طبعت بمطبعة الترقي بدمشق عام 1930م وتبعها بعد خمس سنوات صدور رواية (الانتقام الطبعي) لمحمد نور الجوهري عام 1935م وهي الأولى من حيث مكان الطباعة (جدة: المطابع الشرقية).
وهذا التاريخ يعد متزامناً مع بدايات الرواية في أقطار عربية أخرى مماثلة، قد تكون سبقتنا في التعليم وانتشار الثقافة، فقد عرفت فلسطين أول رواية (الوارث) لخليل بيرس و(الحياة بعد الموت) لإسكندر خوري عام 1920م، وفي العراق تعتبر رواية (جلال خالد) لمحمود أحمد السيد التي صدرت عام 1928م أول رواية، وفي تونس صدرت أول رواية عام 1935م هي رواية (جولة حول حانات البحر الأبيض المتوسط) لعلي الدوعاجي، وفي سوريا تعد رواية (نهم) لشكيب الجابري الصادرة عام 1937م أول رواية فنية، وفي لبنان فإن رواية (الرغيف) لتوفيق عواد والتي صدرت عام 1939م أنضج الروايات اللبنانية، وفي اليمن ظهرت أول محاولة روائية (سعيد) لمحمد لقمان عام 1939م، وفي الجزائر ظهرت أول رواية عام 1947م وهي رواية (غادة أم القرى) لأحمد رضا حوحو الذي قضى وقتاً طويلاً بالمملكة وعمل محرراً ومترجماً في مجلة (المنهل) وغادر مع بداية الثورة ضد الاستعمار الفرنسي ومات هناك، وفي السودان صدرت أول رواية عام 1948م وهي رواية (تاجوج) لعثمان محمد هاشم، وفي المغرب صدرت أول رواية (في الطفولة) لعبدالمجيد بن جلون عام 1957م. وتعد مصر هي السباقة في هذا المجال، إذ اعتبر النقاد رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل هي الأولى الصادرة عام 1914م أول رواية فنية في مصر. إلا أن المؤرخين يرجعون المحاولات الأولى «.. لنقل الرواية الغربية إلى عالم الرواية العربية إلى رفاعة رافع الطهطاوي في ترجمته لرواية (فينيلون) مغامرات تليماك 1867م، وأن رواية سليم البستاني (الهيام في جنان الشام) عام 1870م أول رواية عربية قلباً وقالباً.. «
بينما حصر سلطان القحطاني ريادة الرواية بالمملكة في ثلاثة رواد: عبدالقدوس الأنصاري وأحمد السباعي ومحمد علي مغربي.
بينما لم يذكر محمد نور الجوهري الذي أصدر رواية (الانتقام الطبعي) والتي تعتبر أول رواية محلية تطبع في الحجاز (المطبعة الشرقية – جدة) عام 1354هـ 1935م والتي أشاد بها محمد حسن عواد وأعيد نشرها عام 2009م عن طريق دار طوى للنشر بالرياض وكتب على غلافها « رواية الانتقام الطبعي.. رواية علمية أدبية أخلاقية اجتماعية، بقلم محمد نور عبدالله الجوهري، خريج المدرسة الفخرية بمكة المكرمة، الطبعة الأولى، على نفقة المؤلف، جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1354هـ 1935م، المطبعة الشرقية بجدة «، وتوجد نسخة من الطبعة الأولى بمكتبة الملك فهد الوطنية. بينما يعد منصور الحازمي فترة التأسيس محصورة بستة رتبهم حسب الحروف الهجائية: أحمد رضا حوحو بروايته (غادة أم القرى) طبعت بتونس عام 1947م وأحمد السباعي بروايته (فكرة) 1367هـ وعبدالقدوس الأنصاري بروايته (التوأمان) عام 1349هـ 1930م ومحمد علي مغربي بروايته (البعث) عام 1948م ومحمد عمر توفيق بروايته (الزوجة والصديق) عام 1950م ومحمد نور عبدالله الجوهري بروايته (الانتقام الطبعي). عام 1354هـ 1935م
وقد أجمع الأدباء والمؤرخون على أن بداية معرفة بلادنا بالرواية هو عام 1349هـ 1930م عندما ألف عبدالقدوس الأنصاري روايته (التوأمان) وبعدها يقفزون إلى عام 1367هـ 1948م حيث أصدر أحمد السباعي (فكرة) ومحمد علي مغربي (البعث) مهملين أو متناسين ما بينهما وهي في نظري مهمة أولاً لكونها أول رواية تطبع في مطابع بالمملكة ويكتب عليها اسم رواية، وقد أخطأ من أشار إليها بالاسم فمنهم من سماها (الانتقام الطبيعي) وهو السائد وحتى تاريخ نشرها يذكر أنها صدرت عام 1954م والصحيح أن اسمها (الانتقام الطبعي) وأن تاريخ صدورها الصحيح هو 1354هـ 1935م أي بعد صدور رواية (التوأمان) بخمس سنوات وقبل صدور روايتي السباعي والمغربي بثلاثة عشر عاماً.