العلاقة بين الاسم العلم وما أطلق عليه هي علاقة اعتباطية، فليس من علاقة بين (صقر) ومن سمي به ولا (مسعود) وما سمي به، وإنما تكون العلاقة الدلالية بين المشتقات وما اشتق منها فالطالب صفة تدل على فاعل الطلب باطراد، والمطلوب صفة تدل على من فُعل به الطلب، والمطلَب يدل على مكان الطلب أو زمان الطلب، ومن هنا يكون قول من ذهب إلى أن الأسماء (الأعلام) لا تعلّل. فلفظ العلم من حيث هو لفظ لا علة لإطلاقه على من سمي به، ولكن هذا لا يدفع ما يصاحب التسمية من ملابسات وأسباب تدعو إلى الاختيار.
لا جدال في أن للتسمية أسبابًا مختلفة تجعل المسمي يختار بها اسمًا دون غيره، فقد يراعي وهو ينقل اللفظ من اللغة ليكون علمًا على ابنه أو ابنته أو مملوكه ما يرجوه للمسمى؛ كأن يسميه محمودًا لكي يحمد أو سعيدًا لكي يسعد، ولكن أسباب التسمية لا تقف عند نمط واحد، فالأسماء تُتوارث على الرغم من علل وضعها أول ما وضعت، والأسماء تستعمل استعمالًا وظيفيًّا، وهو استدعاء هيأة المسمى من غير التفات إلى ما لهذا اللفظ من دلالة لغوية فهو بانتقاله إلى العلمية غادر دلالته الأولى، ومن هنا ساغ ارتجال أسماء ليست من ألفاظ اللغة المستعملة، ولا تجدها في مدوناتهم ولا معاجمهم، وكذا ساغ نقل الأعلام الأعجمية التي قد لا يعلم مستعملها معناها.
ولما كان الارتجال سبيل من سبل وضع الأعلام استثمر الناس معظم الإمكانات التصريفية التي تأتي عليها ألفاظ اللغة، فاستعملت أبنية المصادر المجردة والمزيدة واستعملت أبنية المشتقات الوصفية وغير الوصفية، بل ربما وضعت أسماء على أبنية مرتجلة، أي ليست مستعملة إلا في الأسماء. فالجذر اللغوي قد لا يستعمل منه في اللغة إلا بعض إمكاناته على تفاوت في ذلك حسب الحاجة، فالناس إنما تستعمل من إمكانات التصريف ما تجد حاجة إليها، فجذر (ح/م/د) نجدهم استعملوا منه معظم إمكاناته ونقلت إلى العلمية فنجد من أسماء الذكور (حمْد، حمَد، حُمَّد، أحمد، حامد، حمّاد، محمد، امْحمد، محمود، حْمِدِه، حَمِيد، حْميد، حمادة، حمدان، حْميدان، محيميد، حمدي، حمود، حمدون، الحميدي)، ومما وضع على بناء مرتجل (حَمَدّو) فلست أعلم من أبنية العربية (فعَلّو). ومعنى ذلك أن أسماء الأعلام حين توضع قد توضع على بنية من أبنية العربية وإن لم تستعمل في اللغة، وليس يريد مستعملها أن يكون للبناء معنى مجتلب سوى أنه بنية للعلم؛ ولذلك نجدهم ربما استغرقوا إمكانات الاشتقاق من الجذر مثل (نور، ناير، منير، منيّر منور، منوّر، نوار، نوّار، مناور، نوران، نيران، نوّير)، ومثل (سعْد، سعَد، ساعِد، سُعاد، سَعادة، سعود، سعيد، سعدان، سعيدان، سعدون، سعدي، مَسعد، مساعد، مسعود، مسيعيد، مساعيد). وهكذا تستغرق الأعلام أبنية التصريف الممكنة. وقد تزيد عليها باستعمال ما هو خلاف قاعدة اللغة المشتركة مثل (معيوف) فالقياس (معوف)، و(عوضة) الذي قياسه (عيضة) وقد سمي به. ومن تصرفهم في توليد الأسماء أنهم ينحتون من الأسماء المركبة اسمًا جديدًا، فيأخذون من (عبدالرحمن) بانتخاب الدال والراء والحاء فيضعون (داحم، دحّام، داحوم، دحمان، دحمي، دريحم، دْحيم، دَحيّم، دحّوم، دحّومي). كل ذلك استغلال لإمكانات العربية التصريفية وهي ميزة من أهم ميزاتها.
- الرياض