فاروق حسني: أنا الآن فنان تشكيلي رحال ترافقني لوحاتي نحو أعين الجمهور
الفنان الدكتور فاروق حسني قالوا إنه أصغر وزير، وقيل إنه قدم خدمة للثقافة في مصر لم تقدَّم من قبل؛ إذ شغل منصب وزير الثقافة لمدة تقارب ربع قرن، منذ عام 1987 حتى 2011. وقيل أيضاً إنه فنان من الطراز الأول، وهذا هو بيت القصيد.
التقيته خلال مشاركتي احتفال وزارة الثقافة في مملكة البحرين الشقيقة بدعوة كريمة من وزيرة الثقافة بمناسبة مرور أربعين عاماً على انطلاقة الفن التشكيلي البحريني، ومن رئيس الجمعية البحرينية الفنان علي المحميد.
وبعد أن أخذ الفنان فاروق حسني شيئاً من الراحة بعد افتتاح المعرض تحدثنا عن الفن التشكيلي عامة، والعربي على وجه الخصوص. وحينما استرسلت في الحديث، وعند رغبتي في طرح سؤال جديد قلت «يا معالي الوزير»، وهي صفة لا يمكن إزاحتها أو إغفالها من تاريخ هذا المبدع الرمز التشكيلي والثقافي الذي يعد أحد أهم الأسماء على المستوى العربي والعالم.
إلا أنه رد بابتسامة هادئة كعادته «يا عزيزي أنا الآن فنان رحال بلوحاتي إلى أعين عشاق الفن».
بدأ هذا المشوار الجديد بمعرضه الذي يعد الأول في متحف محمود خليل، بعد غياب أربع سنوات، هي فترة انقطاعه عن معارضه الفنية. تداولنا أحاديث ولو بشكل عابر لمنحه الترحيب بالكثير ممن يتجهون للسلام عليه، رغم ما كنت أرغب في الحديث عنه مع ما تلقيته وقرأته في كثير من الصحف التي غطت ونقلت سعادة التشكيليين بعودته، وما تردد من مقولته وتصريحه حول الفن في مصر ورأيه في المستقبل، وعن رسالته للرئيس السيسي التي قال فيها «أود أن أوجه كلمة للرئيس عبد الفتاح السيسي: شكراً أنك أرجعتنا لحضن مصر الذي افتقدناه، وأخرجتنا من ظلام دامس، والآن أصبحنا في النور، وهذا يستوجب شكر كل مصري للرئيس عبد الفتاح السيسي».
كان الفنان الدكتور فاروق يستعد لإقامة معرضه في قاعة نايلا في الرياض بعد إقامته معرضاً في دبي.
كان سعيداً بأن يرى الجمهور السعودي لوحاته دون علمه أن التشكيليين (خصوصاً) المثقفين من مختلف أجيال الفن التشكيلي يعرفون تاريخه الإبداعي، فقد وصلت أخباره وإنجازاته التشكيلية لهم منذ أن كان في فرنسا، مع ما أضافه معرضه «بجاليري نايل» قبل عام، وحظي بحضور كبير من الفنانين والنقاد والمتابعين لإبداعه. دارت خلال المعرض الكثير من الحوارات المفتوحة عن التجربة وعالم الفن التشكيلي ومعوقات نهوضه وغيرها.. كل ذلك مع رجل مسكون بالفن وقيادي في تشكيل ثقافة الوطن العربي..
رحلة الفنان فاروق ومحطاته
إضافة إلى معرضه في الرياض كان له أيضاً محطتان خليجيتان، منهما محطة دبي حيث أقام معرضاً بعنوان «مسارات مرتبطة وذكريات من الماضي»، بمشاركة الفنان آدم حنين، في جاليري «ورد» بمدينة دبي، الذي افتُتح على شرف وزير الثقافة الإماراتي. كما أقام معرضاً في البحرين. أيضاً كان له حضور وتشريف وكذلك اقتناء مع ما يعد له من معارض في الكويت وإيطاليا وفرنسا.. وأصبح بهذا الترحال طائراً حراً كما قال بعيداً عن هموم الإدارة والوزارة؛ فهو اليوم يتعامل مع فن يخلده بعيداً عن وزارة لا تدوم.
فنان يصالح الكتلة مع الفراغ
يقول الفنان فاروق حسني في أحد تصريحاته إن الفنان متقلب، وحينما يطرح نفسه في أوج تقلباته يظهر نتاج فني معين، وتتجلى فيه المشاعر المعتملة في داخله (هذه المقولة تشير إلى ما يشعر به ويتعامل من خلاله مع إبداعه)؛ إذ نرى هذا الطرح المعبر عن كوامن الذات بارزاً في تنوع عناصر اللوحة، التي يصالح فيها الفنان فاروق بين الكتلة والفراغ بإيقاع راقص يجمع بين كثافة اللون أحياناً في الجزء الذي يرغب في إبرازه وتلاشيه في جزء آخر وصولاً إلى إحداث ربط بين العناصر أحياناً بشكل وهمي أو بخط أو نقطة.
لفاروق حسنى نزعته التشكيلية التي لا يمنحها الاستقرار في عناصرها بل تخرج للمشاهد بإيقاع متصالح بين القوة والهدوء، وكأنه يستعيد مشاهد طفولته الإسكندرانية المشبعة بالفضاء الصافي وزرقة البحر ورمال الصحراء.. مثلث بصري شبع بالجمال واستفزاز الإبداع الذي تشكل في عقله الباطني، فكانت أعماله المزاوجة بين التجريد والرمزية.
مراحل الغناء الفني
لا شك أن أعمال الفنان فاروق حسني تشكِّل جزءاً مهماً في تاريخ الفن التشكيلي المصري، وظاهرة غيّرت الكثير في مفهوم العمل التجريدي والتعبيري، تبعه الكثير من التشكيليين من أجيال لاحقة على مستوى مصر أو في العالم العربي.
هذا الغناء الفني للفنان فاروق كان حصاد مراحل عدة من حياته وسفراته وبحثه الفني متنقلاً بين دول العالم، خاصة فترة عمله في باريس التي كانت أكثر الفترات التي أضافت له وعياً بأهمية الخصوصية والأسلوب اللذين يمكن أن نستقي منهما مسارات الفنان التي تحدد محاور إبداعه، وفي مقدمتها ما لوحظ من قبل النقاد توجهه إلى التشخيص. وللمرة الأولى في أعماله قطع الفنان الدكتور فاروق شك النقاد والمتسائلين بقوله إن خوضه التشخيص أو الشخوص يعني له حنينه للأساس وبداياته الفنية منذ سنوات الدراسة في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، حيث بدأت علاقته بالفن التشكيلي.
عوداً إلى ما حققه من تجربة، أصبحت عالمية الشهرة بإمضاء عربي، منها التجريد الهندسي والتجريد اللاشكلي، والتجريد الهندسي، والتشخيص.. لقد وازن الفنان فاروق حسني في غالبية لوحاته بفلسفة فائقة القدرة لاستشفاف أبعاد الفكرة المطروحة، وكيفية إضافة اللون الأكثر تعبيراً ووصولاً إلى عقل المشاهد ووجدانه من خلال تجريد يوصف بالمفرط، وتعبير حالم يبعث في الوجدان أطياف الذكريات وتشخيص غير مطابق بقدر ما ينحى إلى التوهيم والإيحاء، يربط كل ذلك بإيقاع متناغم، تفرقه العين ويحلله العقل.
التسمية بين القناعة والفرضية
المتابع لأعمال الفنان فاروق حسني ومعارضه يكتشف عدم تسميته لها، وهذا مبدأ عالمي يتبعه كثير من الفنانين. وقد تكون التسميات مطلباً لأغراض توثيق اللوحات لأصحابها، لكنها عند الفنان من الأمور الثانوية لعدم القناعة بها. وقد وقع تغير مؤخراً في معارض الفنان فاروق حسني؛ إذ أصبح يضح للمعارض أسماء وللوحات أيضاً، يمكن أن نستشهد ببعضها، منها (العظيم، آدم، ظل المحارب، لوحة حواء، لوحة وهي، ملكة الصحراء والمراقب و»إخناتون»، ثلاثية الجدارية الزرقاء، نفسي، بورتريه وبنت الصحراء).
وقوفاً عند لوحة «هيغل وبيتهوفن» التي قال عنها لإحدى الصحف: «رسمت الوحدة ما بين هيغل وبيتهوفن؛ إذ تتلاقى موسيقى الفكر عند هيغل وموسيقى الفكر عند بيتهوفن. في هذه اللوحة استعنت بالتجريد مع التشخيص لتجسيد التناقضات التي جمع بينها بيتهوفن (السفورداتو - الارتفاعات العنيفة) و(الدانيسمو - الانخفاضات الهادرة والهادئة)».
رأي عالمي يستحقه الفنان
هو فنان تجريدي له أسلوبه الخاص، فلم يشبه أحداً أو يقلد أحداً. المجموعة التي أنتجها هي وليدة خيال ووليدة اللحظة، تستبق رؤيته الشخصية (الصورة) كثيراً من الفنانين المصورين. هذا بعض من تعليق للسيد كارمني سينيسكالكو، رئيس مؤسسة روما لمعارض الفن الحديث ومدير استوديو «إس» للفن المعاصر، الذي يكمل بقوله: اللوحة عند الفنان الدكتور فاروق حسني تظهر أمام المتلقي متوهجة ببريق لا يستقر في عالمه اللوني الألوان؛ حيث تتناثر الألوان كنقاط تتلاحق وتتقاطع بعضها مع بعض، تذكرنا بألوان مصر وطبيعتها. فالرمال بنية، وصخور الصحاري البيضاء، وسحب السماء الزرقاء الكثيفة، وضفتا النيل الخضراوتان، والبحر المتوسط بلونه الكوبالتي، والمحيط اللوني الساحر لمدن وقرى مصر.
monif.art@msn.com