لقد خدم رولان بارت هذه المقولة وأعطاها قوتها النظرية، وقد شرحت هذا من قبل في كتابي الخطيئة والتكفير، وأعود اليوم إليها بما إنها لما تزل تحدث رد فعل غير إيجابي عند الكثيرين، وهي مقولة يدركها كل مبدع وكل فيلسوف حتى وإن لم يعطيانها اللفظ ذاته، وفي أصول الفقة يعم القول بأن الحكم على القول وليس القائل، كما أن الممارسة القانونية تحتكم على الحجة بالقول وسياقات القول وليس القائل، والمرء لا يؤمن ولا يكفر بذاته ولكن حكمنا البشري في أي منهما يستند للقول بوصفه دليلاً وعلامة وبالتالي فإن القول هو الحجة وهو العلة في الحكم.
هذا تأسيس ذهني بشري وثقافي في أن الرجال يعرفون بالحق ولا يقال إن الحق يعرف بالرجال، حسب كلام الغزالي ويزيده بقوله: لو كان الحق بالرجال للزم نكران كثير من الحق لأن قائله فاسد، وللزم قبول كثير من الباطل لأن قائله شخص صالح.
هذا مسلمات يسهل تصورها ولكن مقولة (موت المؤلف) تظل صادمة وكأنها نفي للمؤلف وإلغاء له وكان جوابي دوما هو بأن أقول للمعترض إن جدك ميت ولكنه موجود في اسمك وفي جيناتك، وفي ذاكرة لغتك وحياتك، فالموت حالة اختفاء من المشهد ليس إلا، ولا شك أن المؤلف يختفي عن نصه بمجرد انطلاق النص منشورا بين الناس، وهو اختفاء مؤقت ويتحول إلى اختفاء مؤبد، وهذا هو موت المؤلف، ويظل النص مادة تحت الانتظار الأبدي وكل قراءة له هي تحويل له من كرسي الانتظار إلى ساحة الملعب، وسينطلق النص ما دام هناك قارئ يقرأه، في حين يكون صاحبه في مرقد بعيد، ولن يكون للنص من صاحب سوى قارئه الذي يتجدد باستمرار، وهنا يتضح البعد النظري النقدي لموت المؤلف، وهي مقولة ضرورية للمنهجية النقدية لأنها وحدها ما يحرر حواسنا من سطوة المؤلف علينا حبا له أو كرها له أو خوفا منه، أما وقد عزلناه بعيدا فإن التصور النقدي سيكون على قدر أكبر من الحرية بعيدا عن المؤثرات الخارجية، ولذا لا يستقيم أمر أي قراءة نقدية ما لم تأخذ بمقولة موت المؤلف لكي تسلم من الانحيازات، إيجابا أو سلبا.