تحرّك هذا الإمضاء بهدوء على إحدى الوثائق الخالدة التي احتضنت الجملة التالية: «تدور الأرض حول محورها وأن الشمس مركز للكون»؛ لتتحرّك أوروبا جدلاً حول نتيجة إبصاره التأملي للسماء؛ وليمحو شيئا فشيئا الاعتقاد السّائد (البطليموسي) الذي كان يؤمن بمركزية الأرض في هذا الكون.
في عامِ 1473م وفي مدينة تورون الواقعةِ في الشمال البولنديّ وعلى ضفافِ نهر فيستولا؛ حيث أبصرت عينا كوبرنيكوس هذا العالم لأولِ مرّة.
عند سنِّ العاشرة فقد والده بسبب وباء اجتاح تلك المدينة؛ ليتولّى أحد أقاربه / (لوكاس واتزنرود) تربيته. عاش فترة قصيرة وتلقى تعليما بسيطا في بولندا في أوّلِ حياته، وهذه الفترة تمثل الجزء الأول من إمضائه قبل أن يمضي لإيطاليا. مضى إلى إيطاليا التي كانت تعزف أنغام الازدهار وتشعّ بألقِ أنـوارِ النهضة في أوروبا، واصل نهمه المعرفيّ - الذي ابتدأ وانتهى في موطنه - لتكتمل حلقاتُ المعرفة التي سبر أغوارها وهي: القانون الكنسي، الفلك، الاقتصاد، الرياضيات، الطب، السياسة تمثل الحلقات الست التي تتوسط إمضاءه - في شقّه الثاني - الخالد بإنجازاته العلمية الباهرة.
وسط إمضاءه عينان تمثلان:
- عينُ الصّبر:
ملامح الصبر في سيرة ذلك الفلكي واضحة للعيان تماما كما وضوح العين في جسده؛ لم يكن سهلاً في ذلك الوقت القولُ بأنّ «الأرض تدور حول محورها وأن الشمس مركز للكون»؛ لكنه صاغ نظريته وصبر عدّة أعوام عن نشرها؛ كي لا يُساء فهمه من العقل الكنسيّ في أوروبا.
- عينُ الأثر:
أحدثت نظريته صدى واسعاً في أوروبا وامتد أثرها عالميا على كافة المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والفكرية، وأضحت أيقونة علمية بارزة في تاريخ نظريات العلم مثل نظرية التطور لدارون والجاذبية لنيوتن والنسبية لآينشتاين في العصر الحديث.
إمضاء الفلكيّ البولندي نيكولاس كوبرنيكوس: عيون ساهرة أمعنت إلى السماء بتأمل عميق؛ لـتبقى أثرا خالدا على الأرض.
حمد الدريهم - الدلم