اعتنى كبار العلماء المحدثون وعلماء اللغة والنحو اعتنوا جميعهم بالوقف وألقوا بالهم لئلا يقعوا في اللحن، وكما أن اللحن يكون في الإعراب، والإعراب أساس البناء التركيبي في الدلالة على المعاني، فكذلك الوقف بل الوقف يحجز تداخل المفردات حتى لا تختلط المعاني ويذهب الإعراب ناهيك عن الركاكة.. والاضطراب وكانت الأمة المسلمة في عهود متتالية ترى الوقف أصلاً قائماً لا يقوم الكلام إلا به، ويرى العلماء السفه في الخطيب والشاعر والمتكلم أياً كان هؤلاء إذا لم يتنبه لموضع الوقف في خطبته وإلقائه الشعر وكلامه أمام الناس. ولعل للعقل دوره، ولعل لحدة الذكاء دورها ولعل للشعور بالمسؤولية الدور كل الدور في التنبه للوقف بإمكان المستمع وبإمكان القارئ وبإمكان المتابع لما يلقى بإمكان هذا وذاك أن يحصد حصداً كثيراً مما يسمعه أو يقرأ منه ما يقرأ أو يتابع ما يتابع فإنه سوف يجد فيضاً كثيراً من التساهل بحكم.. الوقف، ولست بقائل الجهل.
في (مؤتمر قريب) رصدت بعد تحفز وتنبه لثلاثة متحدثين (54) حالة ذهب فيها الوقف أدراج الرياح بل ذهب كسحابة صيف تمطر أو لعله لا يكون، هل العجلة لها دور؟
هل التساهل آتى أكله؟
هل عدم التحضير أصل هنا؟
هل رهبة المكان أوجبت هذا؟
لا جرم كل حال قد يكون لها نصيب موفور.
لكن بيت القصيد هنا كما هو هناك أن جلة الحاضرين لعلهم فاتهم مراد المتحدث إذ زادت العجلة في الإلقاء مع كثرة الحركة والالتفات زاد هذا من (إعدام الوقف) كشجرة مرت عليها دهور فماتت ولم يراع حقها سقياً وتربة وسماداً فهي ميتة بسبيل مقيم.
كذلك.. الوقف وأيم الحق، ولشدة تحري كبار العلماء تجرم القرون على شدة تحريمهم وحرصهم وشدة عنايتهم حتى تقوم اللغة ويسلم النحو وتسود البلاغة وتنهض الأمة المسلمة بلغتها وعلمها وسوددها جعل العلماء أبواباً وأجزاء (للوقف) حتى قال الإمام المجدد ابن مالك:
تنويناً أثر فتح ألفا
وقفاً وتلو غير فتح احذفا
واحذف لوقف في سوى اضطرار
صلة غير الفتح في الإضمار
وحذف يالمنقوص ذي التنوين
لم ينصب أولى من ثبوب فاعلما
في الوقف تأنيث الاسم ها جعل
إن لم يكن بساكن صح وصل
إلخ.. (من الألفية).
فالوقف إذاً شأنه شأن وأمره أمر دون ريب.
فالوقف قد عرَّف نفسه إذ هو قطع الكلام، ولا بد وذلك مع آخر كلمة لا تتحد ما بعدها، وإذا لم تتحد الكلمة مع ما بعدها فإن إسترسال المتحدث أو المحاضر أو الخطيب أو العالم في دروسه أو الشاعر يلغي المراد مما أراد إيصاله فتضيع هنا الفائدة وتزول الحكمة، وقد ينشغل الناس بسبب عدم ضعف اللسان ورداءة حسن الإلقاء إذ عدم مراعاة الوقف أراه أشبه ما يكون بماء مشوب بمكدرات تنقل جراثيم قد لا يبدأ شاربه، نعم الوقف أنواع وهذا ما يجب أن يدرك جيداً ويفهم جيداً وينقل على أرضية واقع: العلماء والأدباء والمثقفين.
وليس هذا مني في هذا الجزء من (المعجم) بيان حالات وأنواع: الوقف لكنها إشارة تغني عن كثير القول حوله للاهتمام به والحرص عليه أبداً، وباب هذا مدون بكثرة عند علماء النحو وعلماء الحديث.. وكذا ما طرحه علماء تجويد القرآن الكريم. ولعل عدم الاهتمام بالشيء يلغيه أو ينسفه نسفاً.
أرأيتم الخلط بين: الفقيه والمحدث؟ والخلط بين الناقد وكثير الكتابة مع جرأة وتعالم؟ وأرأيتم كيف يتم تصنيف الباحث الجيد مع كتابات صحفية دورية بين أسبوع.. وأسبوع؟
وأرأيتم كيف يخلط بين الوقف اللازم والوقف الواجب..وكذا: الوقف الاضطراري؟
إذاً (الحال) تدعو دون ريب إلى إحياء علم الحديث من خلال معرفة أساسيات النحو وضوابط اللغة وكذا علم: الفقه والتاريخ والأدب.. والنقد.
ومرد هذا.. دون جدل.. إنما يعود أول ما يعود إليه يعود إلى ذوي المسؤولية عن العلم والعلماء وعن المسؤولين والمراقبين للمؤتمرات والندوات والمحاضرات.
ولك أن تساءل عن الفواصل في كثير مما تنشره بعض دور النشر من كتب علمية وتراثية وأدبية فإنك لا تدري على أي حال تكون الحال لوماً ونقداً وما الحسرة في النفس مما يذاع أو يلقى عن العاقل ببعيد.
بريد السبت
د. مصطفى بن نويهي مرداد البيومي - كفر النجار - مصر
أتابع باحتفاء وتحر بالغين ما يخطه يراعك الجيد في: فقه الحديث.. ومفردات اللغة.
ولاسيما والمفردات اللغوية، ذات أهمية بالغة.
وأشاطرك الرأي بأن ما يقوم اللسان العربي ويصلحه نطقاً وكتابة إنما هو النقد لكثير من الأطروحات العجولة تلك التي يفوتها أشياء كثيرة بسبب العجلة، ومن طبيعة العجلة أن يفوت على الكاتب المحترف.. والباحث الألمعي يفوتهما أشياء كثيرة ولعل ما يفوتهما أصل مهم ما كان يجب تركه أو الإشارة إليه لولا العجلة.
نقد اللغة العربية ونقد مسارها منذ (250 عاما) منذ مئتين وخمسين عاما لينصب أخي الفاضل د. بيومي إنما ينصب على التأليف فيها مما لا يحسنه ولا يدريه هذه كل حكاية الحال منذ ذلك الحين إلى اليوم.
ونحن نحاول في هذه المجلة المرموقة في صحيفة سيارة جيدة أن نتلمس الخطأ فنبينه.. ونتلمس الصواب فنساهم في معالجته قدر المستطاع.
هذا جهدنا هذا مقدورنا، لكن من باب آخر فإن نقد التأليف في اللغة اليوم إنما يتطلب جهود وزارات الثقافة والإعلام وكذا: الجامعات الشاعرة بالمسؤولية والنوادي والهيئات العلمية والأدبية على حد سواء.
وليس بعيداً توجيه اللوم على (المجلات المحكمة) و(دور النشر) التي تجدها في كل ركن.. وفي كل زاوية هذا سبب وجيه أراه كذلك كما كنت قد رأيته من قبل حين ناقشت د. شوقي ضيف- رحمه الله- في القاهرة من عام 1419هـ.
جميل وحسن ومباركٌ إن شاء الله تعالى خطابك كتابك إليَّ.. وسوف أعاود قراءته لكتابة مقدمته في حين أكون فيه مستلهماً ما ورد فيه من آراء ووجهات نظر، وصديقك من صدقك لا من صدقك، تجاوز الله تعالى عن كل ذنب.