وأقصد هنا حقوق الملكية الفكرية والأدبية حيث يشتكي كثيرون من ضياعها رغم وجود تشريعات عالمية ومحلية في هذا المجال لم تجد حقها من الرعاية، ولم تلتفت إليها قطاعات الحماية بالشكل المطلوب مع تدني رغبة المنتجين الثقافيين في معرفة ما يمتلكون، وكيف يحافظون عليه، ومتى يطالبون بتطبيق التشريعات بحق من يعتدي، أو ينتهك حقوقهم الفكرية والأدبية.
ومن ظريف ما يحكى إقدام أحد الأكاديميين على تدشين موقع إلكتروني متكامل يتيح مجاناً مئات الكتب والملفات المحمية قانونيا في انتهاك علني لقيم الملكية وأدبياتها وسط تشجيع كثير من القراء والمستفيدين من خرق نطاقات حمايتها التي تنص عليها الاتفاقات الدولية المختلفة متضمنة فترة الحماية، وفئات المالكين، وطرق الانتفاع، والتعويضات عند الانتهاك.
وقبل أيام ارتفع صوت أحد الفوتوغرافيين مندداً بنشر وسائل الإعلام التقليدية والحديثة أعمال المصورين دون إذن، أو حتى إشارة إلى منتجيها؛ وهذا الوضع يعاني منه الفنانون التشكيليون أيضاً حيث انتشر في بعض الأسواق رسامون بارعون في استنساخ الأعمال الرائدة والعالمية بثمن بخس وتحت الضوء.
أما برامج الحاسب الآلي وملحقاتها فلها سوق عشوائية لكنها واجهت حملة منظمة من وزارة الثقافة والإعلام حيث أنشأت منذ سنوات إدارة لحماية الملكية الفكرية ونشطت في مجال الحاسب الآلي، وحدّت من الانتهاكات الكبرى، ولم تفعل مثل ذلك في العمليات المشابهة التي تلحق بالكتاب وبقية الإنتاج الفكري والفني فمراكز التصوير في الكليات والجامعات وفيما حولها تنتهك يومياً حقوق المؤلفين تصويراً واستنساخاً وبيعاً على مرأى ومسمع إدارة الحماية الملكية الفكرية دون تنسيق منها مع الإدارات الرديفة التي تمنح التراخيص لهذه المراكز وتغض الطرف عنها، ربما لأنها أحد أسباب المشكلة عندما تمنع تداول الكثير من المصادر بفعل الرقابة المتعنتة المتزايدة.
وزارة التجارة بدورها التفتت إلى الجانب المهمل، كما تفعل مع جوانب أخرى، فروّجت لنظام حماية حقوق المؤلف وأعلنته بشكل مميز، وشرعت في تقنين حماية العلامات التجارية بيسر وسهولة انسجاماً مع التوجهات العالمية في هذا المجال. والمأمول أن تتآزر جهود الوزارتين في هذا المجال العشوائي الراهن.
مكتبة الملك فهد الوطنية أيضاً تؤدي عملاً مميزاً في هذا السياق باعتبارها الجهة المخوّلة رسمياً لمنح شهادات الإيداع النظامي وفق المرسوم الملكي المعلن، لكنها لم تخدم هذا الجانب بشكل جيد سواء عبر الندوات، أو النشرات التعريفية، أو عبر موقعها الإلكتروني، ولم تنجح إلا في عملية إلزام المطابع بالحصول على رقم الفهرسة أثناء النشر، ويجهل كثير من الفنانين التشكيليين والفوتوغرافيين والنحاتين، والمنتجين السينمائيين وصانعي الوسائط الحديثة والبرامج آليات التسجيل، ونطاقات الحماية، ومددها، وأشكال المحافظة عليها، ورعايتها من الانتهاك.. والمسؤولية في هذا المجال لا تقع على المؤلفين والمبدعين فحسب بل على الجهات المعنية بتشريع الأنظمة وتطبيقها والإعلان عنها.
أظن رعاية حقوق الملكية والترويج لها على كافة الأصعدة ليست ترفاً، بل مسؤولية تتقاسمها عدة أطراف، وهي جزء من ملحقات اتفاقية التجارة العالمية يلتزم بها جميع الموقعين، وهي مكوّن أساسي لبناء مجتمع المعرفة والصناعات الثقافية لا يجدر التلاعب بها بدعوى الثورة التقنية وسهولة التداول، والمسؤولية تقع على القطاعات الرسمية قبل الأفراد في مجتمعات شحت فيها مصادر المعرفة، وشجعت على أساليب القرصنة، وتسلق الأسوار للظفر بالكتاب والوسيط المعرفي مهما كان الثمن.