أن ترحل وحدك، لا شيء ستطلب من أحد هنا، بعد أن نسيت حقوقك كلها أو سامحت فيها. وأن تعود وحدك، لا أحد يطلبك شيئاً هناك، بعد أن طالبك الجميعُ بكل ما لديك وأخذوه منك بحق أو باطل - سيّان. فأنت مجرّد تذكرة!
والتذكرة، لمن لا يستهلك معناها، هي طموح كل حيران تائه لا يدري هل أخطأ الناس في قراءة الفلاسفة الوجوديين وأسرفوا في تأويل بديهياتهم الفطرية وتعميق سطوحهم الملتصقة ببعضها التصاق المرايا على حائط يهتز كلما دارت الأرضُ دورتها حتى لم يعد يصلح لوجود أحد من مؤسسي أسطحه أو مراياه، أم كان الخطأ في التذكرة نفسها حين تجرّدت من كونها مجرد فكرة لا تتجاوز المبتدأ في تكوين أيّ جملة عاقلة؟
قلتُ في قصيدة كدتُ أنساها لولا أن رأيتها تعود إليّ بمزيد من التذاكر إلى ذكرى من كانوا موجودين حين كنتُ أفتش عنهم خارج حدود تواجدي المعدوم من دونهم:
(تفترضُ بأنّ الغائبَ سوفَ يعودْ؟
لا ماءَ سيكمنُ في الصحراءِ بغير سدودْ.
وأنتَ ترشُّ الرملَ برملٍ
أنتَ تدقُّ الطبلَ بطبلٍ
أنتَ تواعدُ كلَّ زمانكَ بالموعودْ)!
وردت كلمة (تذكرة) في القرآن الكريم تسع مرات، وجاء في تفسيرها: (التذكرة هي إيجاد الذكر فيمن نسي الشيء). وحين يكون الشيء نفسك فمن نفسك تكون التذكرة، أو تكون أنت التذكرة لنفسك. ربما لعودة من بعد ذهاب. وربما لرحلات متعددة تنتهي بذهاب من بعد عودة. هي التقنية الحديثة لا تخرج في كل احتمالاتها عن الحال الطبيعية التي وجدنا أنفسنا بها، حتى وإن تعددت بنا وسائل الإيجاد.
ويبقى الرقم (تسعة) هو سيّد الأرقام وخاتمتها مهما تمادت سلاسلها في جرجرة الأشياء وتهويلها. فلا شيء فوق تاسعه مهما تكن المسافة بين رقم ورقم تتخطى الأصفار.
هل يوجد صفرٌ حقيقيّ؟ إنه الوهمُ القديم، مذ أن عرفنا الأرقام. فليس الصفرُ إلا تذكرة لنا بأن شيئاً ما سوف يوجد، أو أن شيئاً ما قد كان موجوداً ولكنه انتهى من حساباتنا فقط. وقد تكون نهايته بداية لرقم جديد يبدأ تاسعاً ثم يتدرّج منحدراً بنا إلى حدود التذكرة التي تتسع للإيجاد في أيّ شيء من الأشياء التي تمتلك القدرة على النسيان.
- القاهرة
ffnff69@hotmail.com