نسمع في عاميات نجد (الاذّان) أي الأذان وهو الإعلام بدخول وقت الصلاة، وهم يحذفون الهمزة من هذا اللفظ تخففًا من التلفظ بالهمزة في (إذّان)، وذكر لي ابننا الأستاذ إبراهيم العثيم أنّ من الناس من ينكر هذا الاستعمال ذاهبًا إلى أنه لا أصل له، والحق أنّ له أصلًا لا يسعنا أن ننكره متى راجعنا تراثنا، فاللفظ (إذّان) استعمل عند العامة مصدرًا للفعل (أذّن) على بناء (فَعَّلَ)، فهل جاء لهذا البناء مصدر على (فِعّال)؟
قال سيبويه «وأما فَعَّلْت فالمصدر منه على التَّفعيل، جعلوا التاء التي في أوله بدلًا من العين الزائدة في فعّلت، وجعلت الياء بمنزلة ألف الإفعال، فغيروا أوله كما غيروا آخره. وذلك قولك: كسَّرْتُه تكسيرًا، وعذَّبْتُه تعذيبًا. وقد قال ناسٌ: كلَّمتُه كِلّامًا، وحمَّلتُه حِمّالًا، أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال فكسروا أوّله وألحقوا الألف قبل آخر حرفٍ فيه، ولم يريدوا أن يبدلوا حرفًا مكان حرف، ولم يحذفوا، كما أن مصدر أفعلت واستفعلت جاء فيه جميع ما جاء في استفعل وأفعل من الحروف، ولم يحذف ولم يبدل منه شيءٌ. وقد قال الله عز وجل: ? {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا}[النبأ-28]»(1). وأما ابن السراج فذكر أن (فِعّالًا) هو القياس في مصدر فعّل، قال «وأَمَّا فَعَّلْتُ: فمصدرهُ التفعيلُ؛ لأَنَّهُ ليسَ بملحقٍ؛ فالتاءُ الزائدةُ عوضٌ مِنْ تثقيل العينِ والياءُ بدلٌ مِنَ الألفِ التي تلحقُ قبلَ أواخرِ المصادرِ، وذلكَ قولُكَ: قَطَّعتُه تَقْطيعًا وكَسَّرتهُ تكسيرًا وشمَّرتُ تَشميرًا، وكان أَصلُ هَذا المصدرِ أنَ يكونَ فِعَّالًا كما قلتَ أَفْعلتُ إفْعَالًا؛ ولكنهُ غُيرَ ليبينَ أَنهُ ليسَ ملحقًا، ولو جاءَ بهِ جاءٍ علَى الأَصلِ لكانَ مصيبًا»(2)، قال ابن جني «وحكى الفراء قال: سألني أعرابي فقال: أحِلَّاق أحب إليك أم قِصَّار»(3).
والذي أطبقت على ذكره المعاجم مصدرًا للفعل (أذّن) هو (تأذين) وأما (أذان) فهو اسم المصدر، جاء في معجم لسان العرب «والأَذانُ: اسمُ التأْذين، كَالْعَذَابِ اسْمُ التَّعْذِيبِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الأَذان، وَهُوَ الإِعلام بِالشَّيْءِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: آذَنَ يُؤْذِن إِيذَانًا، وأَذّنَ يُؤذِّن تأْذِينًا، والمشدّدُ مخصوصٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِإِعْلَامِ وَقْتِ الصَّلَاةِ».
وبعد فاعتمادًا على ما قرره سيبويه وغيره من قياسية المصدر (فِعّال) في الفعل المزيد على بناء (فعّل) نستطيع أن نقول إن استعمال عاميتنا للمصدر (إذّان) بتشديد الذال هو استعمال قياسيّ فصيح، وأما (أذان) فهو اسم المصدر.
** ** **
(1) سيبويه، الكتاب، 4: 79.
(2) ابن السراج، الأصول في النحو، 2: 116.
(3) ابن جني، الخصائص، 2: 292.
- الرياض