-1-
مهرجان «القلب الشاعري»- الذي أقامته (منظمة سوكا جاكاي الدولية - فرع الخليج العربي) للعام الرابع على التوالي، في مدينة دُبي (الإمارات العربيَّة المتَّحدة)، خلال الفترة من السبت 7 فبراير إلى الأحد 8 فبراير 2015- ليس مجرد ملتقى لإلقاء الشِّعر، ولكنه، كما يعرِّف بفعاليّاته، وسيلة للتعبير عن جوهر القِيَم الإنسانية الأساس، من تناغمٍ إنسانيٍّ وعدالةٍ وسلام. وقد جاء مبادرةً من (سوكا جاكاي الدوليَّة)، بدأت عام 2011، بدعمٍ من الأديب المعروف (الدكتور شهاب غانم) و(قرية دُبي للمعرفة)، وتطوَّرت الفكرة إلى ملتقى سنويٍّ للشِّعر. وهو يجمع بين العديد من الشعراء المعروفين من شتَّى أقطار العالم، إلى جانب الشعراء الناشئين والطلبة، على منبرٍ واحد. واستكمالًا لما أوردته في المقال السابق، فقد كانت قصيدتي الثانية في المهرجان «صوت القادم من سواد الأسئلة». وهي تميل إلى التعبير عن الهمّ العربي، الذي لا ينفصل عن الهمّ الإنساني العامّ، ودور الكلمة في إضاءة بعض الشموع، وإن لم تُعْفِ الظلامَ من أنْ تلعنه.
-2-
صوت القادم من سواد الأسئلة
ساهِرٌ واللَّيلُ في جَفْنَيْهِ نَامْ
وتَنَامَى في صَدَى الصَّمْتِ الكَلامْ!
يَسْتَعِيْدُ الرِّيْحَ أَشواقًا مَشَتْ
سِلْكَ ياقُوتٍ وأَحجارٍ وَجَامْ
في سُرَى الذِّكْرَى تنَاغَى طَيْرُها
هَمْسَةً حَرَّى وأَشجانًا تُؤَامْ
يَتَمَلَّاها .. تَمَلَّاهُ : هَوًى
أو جَوًى يَكْوِيْ مَصاريعَ العِظَامْ!
قالَ في بَيْدَرِها الظَّامي : أَنا،
مَن أَنا؟ يا أَنْتِ، يا هذا الزِّحَامْ؟
تَرْتَقِي بِي في ذُرَى الأَعوامِ
تَهْفُو تُنادِيْنِي على البُعْدِ سَلامْ
طَوَّقَتْنِيْ مِن بَقاياكِ مُنًى
لم تَجِدْ بَعْدُ مَطاياها العِظامْ
وطَوَتْنِيْ في مَراياكِ رُؤًى
عَذْبَةٌ كانتْ مَراراتٍ زُؤَامْ
وتَصَبَّتْنِيْ بِعَيْنَيْكِ صُوًى
جَدَّفَتْ صَوْبَ مَجالِيْها الرِّهَامْ
أَطْرَبَتْنِيْ .. أَرَّقَتْنِيْ .. وطَوَتْ
في سِجِلِّ النَّفْسِ أَصْداءَ اليَمامْ!
هِيَ دُنْيَا مِن بَقَايَايَ دَنَتْ
ومَطَلٌّ لِلْغَدِ الآتِيْ الضِّرامْ!
هكذا التَفَّتْ مَدَارَاتُ الدُّنَى
في مَدَارِ اللَّيْلِ أَمْشَاجًا تُسَامْ
لَيْلَةٌ واحِدةٌ قد لَبِسَتْ
ِن لَيالِي العُمْرِ فيها أَلْفَ عامْ!
وهَلِ العُمْرُ سِوَى لَيْلٍ هَمَى
أو سِوَى لَيْلٍ تَوَلَّى كَالجَهَامْ؟!
قد يَظَلُّ الفَجْرُ طِفْلًا ضَارِعًا
مُشْرَئِبَّ الثَّغْرِ لِلنَّهْدِ الفِطامْ
دَرَّ في وَعْدِ الخَبايا دَرُّها
ساعةٌ رَوَّتْهُ أَلْبَانَ الغَرامْ
فإذا النُّوْرُ بِنا يَنْدَاحُ كاللَّثْغَةِ
الأُوْلَى .. شَآبِيْبًا سِجَامْ
تَزْرَعُ الرَّمْلَ نَهَاراتٍ سَرَتْ
في عُرُوْقِ اللَّيْلِ آمَادَ الظَّلامْ!
هُوَ حُلْمٌ أَيْقَظَتْنِيْ نَفْحَةٌ
مِنهُ يَقْظَى بَيْنَ أحْلامٍ نِيَامْ
ساهرًا واللَّيْلُ في جَفْنِيْ يَنامْ
يَتَسَجَّى مِن دَمِيْ سَيْفًا كَهَامْ
مِن دَمِيْ الدَّافِي الْ تَشَظَّى وَرْدَةً
مِلْءَ أَفواهِ قَوافينا الحُطَامْ
مِلْءَ هذا السَّهْبِ مِنْ غَيْهَبِنا
مِلْءَ أَثْداءِ السَّبايا في الخِيَامْ
سَيَصُوْلُ الوَقْتُ مِنْها مِلْأَهُ
سَيَرُدُّ الخَيْلَ إِصْبَاحُ القَتَامْ
سَيَشُدُّ الكَرَّةَ البِكْرَ غَدٌ
سَيُرَوِّيْ السَّلَّةَ النَّشْوَى حُسَامْ!
يَوْمَها فَلْيَهْنَ جَفْنَيْكَ الكَرَى
نِيْمَةَ الطِّفْلِ وأَحلامَ الحَمَامْ!
ساهِرٌ يَذْبَحُهُ صَمْتُ النِّي َامْ
ما عَلَيْهِ؟! جَرَّ سِكِّيْنَ الكَلامْ!
حَزَّ في ماءِ الوَرِيْدِ حَزَّةً
أَوْشَكَتْ تُوْقِظُ أَنْفَاسَ الرِّمامْ!
رُبَّما أَحْيَاكَ تَصْهَالُ الظُّبَى
ولقد يُفْنِيْكَ تَسْبِيْحُ الغَمَامْ!
-3-
يرأس منظمة (سوكا جاكي) الدوليَّة (الدكتور دايساكو إيكيدا)، الذي وُلِد في (طوكيو)، عام 1928. وهو ناشطٌ رائدٌ في مجال السلام، وكاتبٌ غزير الإنتاج، لديه أكثر من 100 مصنَّف منشور. وهو بالإضافة إلى الشِّعر، يكتب حول موضوعات تتعلَّق بالسلام والتعليم والقضايا الإنسانية الأخرى، منذ عام 1947. وبوصفه الرئيس الثالث لمنظمة سوكا جاكاي (مجتمع القِيَم الخلّاقة)، ومؤسِّس منظمة سوكا جاكاي الدوليَّة، أَسَّسَ إحدى أكبر الحركات المميَّزة عالميًّا بتركيزها على تمكين الطاقات البشريَّة في الأفراد والجماعات من دَورها في تعزيز قِيَم السلام والثقافة والتعليم. وقد تأثّرت حياة الدكتور إيكيدا بصورةٍ أساس بتجربته خلال الحرب العالميَّة الثانية ومعاناة شقيقه الأكبر من الفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني في (الصين). ما دفعه إلى البحث عن وسيلةٍ للقضاء على السبب الأوَّل للصراع البشري، فأصبح هذا الباعثُ قوةً دافعةً في حياته كلّها منذ الصِّغَر. ولمساعي الدكتور إيكيدا الإنسانيَّة في عِدَّة مجالات، مُنِحَ العديد من الجوائز، ومنها جائزة الأمم المتَّحدة للسلام. فلقد ظلّ سعيه لتعزيز السلام على مدى السنوات الستين الماضية في جميع أنحاء العالم، وكِفاء ذلك تلقَّى أكثر من 300 شهادة فخريَّة أكاديميَّة، وهي أعلى نِسبة من الشهادات تُمنح لفردٍ واحد. إلى ذلك، هو مؤسِّس (معهد الفلسفة الشرقيَّة)، و(مركز بحوث بوستن للقرن الحادي والعشرين)، و(معهد تودا للسلام العالمي والبحوث السياسيَّة)، و(متحف طوكيو فوجي للفنون).
واليوم- ومنطقتنا العربيَّة تعُجّ بقَتام فظيع، هو من أحلك ما مرَّ بالعالم العربي والإسلامي، من عنف، وتصفيات سياسيَّة، وظُلم، وتعصُّب، وذبح الإنسان أخاه الإنسان، بل حرقه حيًّا، ونشر الفكر العدائي المتوحِّش بين أتباع الديانات والطوائف والمذاهب، وتدمير التراث الإنساني والآثار التاريخيَّة- تظهر العِبرة المستسقاة من تجربةٍ كتجربة (الدكتور دايساكو إيكيدا)، ويتجلَّى الفارق البيِّن بين من نَذَرَ حياته لإحياء الإنسان وبثّ القِيَم الخيِّرة فيه، ومن نَذَرَ حياته لقتل الإنسان وحضارته وبثّ القِيَم الشرِّيرة، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. وفي المقال التالي نواصل عرض جوانب أخرى من «القلب الشاعري»، ونصوصه الشِّعريَّة.
تصحيح المنشور في المقال السابق:
فأشارَ نحوَ الأُمِّ حَوَّاءِ [الجميلةِ]
مُؤمِئًا.. يا ويلتا ما صارَ صارْ!
ورأيتُ قابيلَ بنَ آدمَ مُشْرِعًا
[بالمَوْتِ] صَدْرَ أخيهِ مَشْبُوبَ السُّعارْ!
- الرياض
p.alfaify@gmail.com - http://khayma.com/faify