بعث الأستاذ الباحث داود بن حمدان آل مريد الكعباني من الإمارات العربية.
هذا السؤال الجيد بحد ذاته لوجود خلافٍ قويٍ حولَ الإجابة عليه في ميدان: اللغة.. والنحو، يقول الأستاذ الفاضل: الصرف هل هو علم قائم بذاته؟ أو أنه داخلٌ ضمن علم النحو؟
وهو سؤال.. ولا جرم.. وجيه لكثرة ما يكون عنه ولاختلاف الصرف في بابه عن بقية أنواع النحو وهذا أمرٌ مدركٌ بالسجية وحسن التذوق إلا أن المتأمل ومكثر الاطلاع الجيد في علم النحو عموماً وإن لم يكن من أهله يلحظ دون ريب أن بين الصّرف والنّحو تدخلاً بينهما بحيث لا يتم إلا بهذا.
لكن في حقيقة بسط القول عنه يُدرك شديدُ التأمل أن الصّرف يختلف فهو إذاً علم قائم بذاته وأن لا فرق بين الصرف من حيث ضرورة الاجتماع لبناء ووزن وحدة الكلمة وبناء الإعراب.
فإذا كان الصَّرف «تصريفاً» يقوم بذاته فهو إذاً علمٌ أصله يكون يُبحث فيه من أجل أحكام بناء الألفاظ الواردة عن: العرب سماعاً، وما يكون لمفردات هذه الألفاظ من جودة حقه وما دخلها من زيادات لا أصل لها وما يعتري هذه الألفاظ من سلامة وخلل ومن هنا يتبين أنّ التعريف علمٌ مستقل بذاته لكنه والنحو سيان لا يقوم أحدها إلا بالآخر.
لكنه لا يكون إلا بالأسماء والأفعال وليس للحروف هنا له فيها مجال، وهذا أمر يُدرك بالسليقة.
فمثلاً لا يكون الصرف في الأسماء.. والأفعال ما كان منه على حرف فقط أو حرفين فهذا غير ما إذا كانت الأسماء ثلاثية فهذا يكون للصرف فيه مدخل.
وباب هذا يطول.. والله تعالى أعلم.
من هذا المنطلق في باب: اللغة.. والنحو.. وعلم الحديث، إذ الحديث الصحيح من أصول علم اللغة والنحو من هذا أوصي بما يلي:
أ- اهتمام الجامعات في تأسيس.. العلم.. بضابط ضرورة التحدث باللغة العربية ومتابعة ذلك، فقد رأيت كثيراً من الطلاب يقعون في أخطاء جليلة.
ب- ضرورة تكوين مكتبات «حديثية (علم الحديث) واللغة والنحو في زوايا صالات الجامعات مع مُهم خصائص كل كتاب يذكر هذا بجانب كل كتاب يرصد في هذه المكتبات.
ج- الهيئات العلمية ومراكز البحث يحسُن هُنا ذكر قرابة (200 كتاب) مهمة في دائرة العلوم الثلاثة «الحديث.. اللغة.. النحو» مع ذكر خصائص كل كتاب وترجمة مؤلفه ترجمة وافية.
ذلك أني ومن خلال ترؤسي أو عضويتي في كثير من المؤتمرات أو الندوات لاحظت ما يلي:
أ- إيراد بعض.. الآثار.. الضعيفة دون ذكر درجتها إنّما تورد هكذا.
ب- ذكر أقوال مرجوحة لم يتم تحريرها من الخلاف ولعل سبب هذا العجلة.
ج- عدم تأصيل الطرح جيداً إنما الاقتصار على ما يهدف إليه الباحث أو العالم وهذا فيه خلل علمي واضح.
د- الخلط بين بعض كبار العلماء الأجلاء مثل: الخطيب البغدادي.. والحافظ العراقي.
وبين ابن تيمية والجد ابن تيمية.
وبين ابن الجوزي وابن قيم الجوزية.
هـ- نقل «الأحاديث» واعتمادها من كتب الفقه دون الرجوع إلى كتب الحديث نفسها وهذا مؤلم جداً.
وأعود إلى التوصية قائلاً:
د- ضرورة الدقة وقوة العبارة وحسن السمت وجودة الأداء لدى أساتذة الجامعات وخطباء الجوامع ومحاضرات وندوات العلماء حتى في: مجال النقاش والمداخلة.
وهذا يقتضي المتابعة والتنبيه فيما بعد وليس في هذا غضاضة على أحدٍ إذا تم تنبيهه إلى ما وقع فيه.
ذلك ومن خلال الدراسات الفيسولوجية والتي قمت بها شخصياً وجدت أن الحاضرين والمشاركين أكثر مشاركة فهمياً ونفسياً فيما يكون العالم أو المثقف أو الأديب أكثر: رصانة، ودقة، وقوة عبارة، مع ما يقود إليه هذا إلى النزوع إلى القوة التجديدية في شيء لعله لم يرد بخاطرة.
صحيح أن هذا يحتاج إلى مران ومران لا بل منهما خلقاً وفكراً وعلماً ثقيلاً لكن لكن ضرورة المطلوب توجب هذا دون ريب، ولك أن تطالع أيها المسؤول الذي ألقي عليه اللوم أن تطالع حياة من تلي أسماؤهم كيف سادوا وجددوا؟.
ابن قتيبة.
ابن الصلاح.
أبو زرعة الرازي.
أبو حاتم الرازي.
ابن وارة.
ابن حزم.
ابن جني.
الزيلعي.
المرغيناني.
الكرماني.
فقط ليس إلا أن تقرأ تراجمهم العلمية إبان الطلب والرحلة والإلقاء كانوا يسوسون النفس على أسس متينة جداً متينة من الترصن، وعمق الفهم، والحذر من زلل اللسان، أو شطحات الفكر، أو غياب البال.
وهناك حالة نفسية عميقة لدى هؤلاء الكبار أنهم كانوا إلى هذا ينظرون أموراً ثلاثة:
1- الشعور بالمسؤولية.
2- تجنب الخلل وذم الجرأة.
3- التورع في نقل العلم إلا بعد تأمل وتدبر والسؤال الدؤوب عن الإشكال قبل نشره.
الحق أقول ولا أرجو طائلاً أن علم المسؤولية ما لم يشعر بها القوم تبقى الحال على حالٍ قد تجر إلى أسفٍ شديدٍ.
لكن أملي في الجامعات ووزارة التربية والهيئات العلمية ومراكز البحث والأجهزة المعنية يبقى كبيراً وكبيراً جداً.
- الرياض