صديق واصل من ورشة لسمكرة السيارات إلى منافسة فنانين عالميين
عندما تجاوز الفنان صديق واصل مرحلة التخطيط والتلوين وتجارب اللوحة أن كانت على الورق أو على الكانفس في مراحل اكتشاف ذاته التشكيلية وهي مرحلة يمكن اعتبارها الأكثر سهولة في التعبير عن الفكرة وقدرة على التعامل مع خامة يمكن وصفها بالناعمة أو اللينة مقابل ما أصبح عليه الفنان صديق من شهرة وحضور بخامة وصفت بانها ذات بأس شديد كما وردت في القرآن الكريم.
هذا التبدل أو التحول لم يكن جديدًا بالنسبة للفنان صديق وإنما هي خافية وغريبة عند من شاهدوا أعماله أول مرة في معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب، قبل أن ينطلق نحو فضاء المنافسة المحلية العربية.
ذلك الاستغراب من المتلقي في تلك البدايات والتشكيك في استمرارية الفنان في تجربته إلا أن ما يمتلكه من معرفة بهذه الخامة منذ طفولته في الورشة التي كان يعمل بها والده والمتعلقة بالسمكرة وتعديل السيارات التالفة كما ورد في كثير من أحاديث الفنان عند بدايات علاقته بالحديد والمعادن كانت هي المنطلق والمرتكز لنجاحاته الحالية.
كان يرى بعيني طفل ويكتشف أبعاد أسلوب التنفيذ بعقل بالغ وسابق لزمانه.
عالم الحديد والمعادن
والفكرة عند صديق
علاقة الفنان صديق واصل بتشكيل الحديد وإعادته إلى حالته السابقة في ورشة والده زرعت في عقل الطفل أبعادًا أخرى وجعلته يطرح الكثير من التساؤلات.. كيف يمكن أن يتحول الحديد الخردة التالف إلى شكل جميل، وكيف أصبح جزءًا من حياة الناس في كل ما يتم استخدامه ويصنع من المعادن ويعتمد الصناع فيه على الشكل.
تأملات بعيدًا عن فكرة النحت وإنما الذهاب مباشرة إلى الجمال فيه من خلال ذلك السؤال الجمالي واستنباط الكيفية لتحقيق الأداء.
هذه التساؤلات بين ما في عقل ذلك الطفل وبين ما يحيط به من السكراب (الحديد) دفعه لأن يبحث عن الإجابة من خلال التنفيذ بدءًا باللعب بتلك القطع والعبث بأداوت والده رغم خطورتها وما يتلقاه من توجيه في كيفية ترويضها كانت بمثابة البوابة التي خرج منها الفنان صديق واصل إلى فضاء فن التراكيب أو الفن ما بعد الحداثة التي أشار إليها في بعض حواراته فن الفكرة منطلقًا بأول أعماله على بساطة فكرتها وقوة تنفيذها إلى خارج السرب لافتًا النظر إليه ومثيرًا للأسئلة وأحيانًا إلى الدهشة واستصعاب التعامل مع هذه الخامة في وقت كانت فيه المنافسات الفنية التجريبية محددة خصوصًا في جانب المفاهيمية واستخدام الوسائط.
والحقيقة أن قراءة أعمال الفنان صديق واصل تجعلنا نتجاوز المعتاد لنلج إلى أعماق المنجز كشكل من أشكال النص البصري جماليًا معاصرًا حاضرًا ملموسًا في المكان وتفاعلات من خلال متابعتي له في كثير من المعارض المنافسة ومنها ارت دبي في جناح صالة اثر السعودية حيث يبرز في هذا المعرض مستوى المقارنات من تجارب سابقة لفنانين عالميين مشاهير ومعروفين بخبراتهم وتجاربهم وبين نخب من الشباب تتوزع أعمالهم في بقية الصالات ومن بينهم الفنان صديق واصل الشاب المغامر الذي لا يتراجع بقدر ما يزاحم بثقة بمنجزه وبما يتضمنه المنجز من خصوصية لم يكن يعلم أن هذه المغامرة مع خامة صعبة المراس ومنافسين عالميين ستحقق له مساحة من الحضور لا نهاية لها.
فن عالمي اللغة دون ابتذال
لا شك أن أعمال الفنان صديق واصل تعد رمزًا من رموز تطور الفن التشكيلي السعودي بقدراته الفنية وبما يلتزم به من أخلاقيات رسالة الفن أولاً وما يعنيه مرجعيته التي يختزل فيها الكثير من الأخلاقيات واحترام الذوق العام واحترام فكرته لكسب الرضا والإعجاب من كل متلقٍ أيا كانت جنسيته أو دينه وموقعه الجغرافي في وقت ابتذلت فيه سبل تعبير الفنون وصولاً إلى عرض ما يصدم الذوق العام ويحدث الاشمئزاز بدءًا من مبولة دوشامب إلى الروث الادمي.
تجاور أعمال الفنان صديق بأعمال أخرى تجعلنا نشعر أن لأعماله عالمًا مختلفًا لا ينتمي إلى الآخر من حيث الشكل، نقف بجوارها باعتزاز.. كتل وتشكيلات تحمل معانيها التعبيرية بشكل قوي مبنية على حسابات تجمع بين ما يريد الفنان طرحه وسهولة فهمه من جانب المتلقي من خلال البحث الخلاق عند تكوين وصياغة الفكرة وتحويلها إلى شكل ملموس، وهذا ما نجده في أعمال الفنان صديق واصل حيث نرى أنها تتمركز حول رؤية الفنان شكلاً ومضمونًا وفاعلية تعبيرية عبر إيقاع مدروس يجمع بين المتضادات.. الشكل المنظور والملموس وبين الإحساس بالمضمون وربطه بالقدرة على تطويع الخامة، وهذه أيضًا من صفات أعمال الفنان صديق واصل المتجددة التي تمنح للمتلقى قراءة أعماله وتحليلها من أكثر من زاوية للعمل وقراءة نصوصه البصرية بمنظور بصري.
عندما ينطق الحديد من خلال الشكل
يتعامل الفنان صديق واصل مع إبداعه بحركة أكثر رشاقة وحيوية رغم صعوبة تشكيلها وتطويعها وقد حقق ذلك للتغلب على صلابة مادة الحديد وصولاً إلى اللون، وقد أخرجها من حيز الجمود إلى حيز يشعرك أنها تتحدث وتسمعك حوارها ككتلة مع ما يحيط بها من فراغ. لقد استطاع الفنان صدق واصل أن يلفت النظر إلى تجربته لا تخلو من المغامرة بتجلياته الراقية في الأداء المحققة لهدف يتنقل من خلاله الفنان وبشكل متسارع إلى مراكز مهمة في صياغات النحت بأبعاده الشكلية أو مفهومه الفلسفي.
صديق واصل يواصل نجاحاته
الأيام القادمة حبلى بالكثير من إنجازات الفنان صديق واصل الذي يواصل بها حضوره المحلي والعالمي حيث يشارك الفنان التشكيلي صديق واصل بمعرض التصاميم بميلانو بإيطاليا بصالون انتر ديل موبايل دي الذي يعقد في أبريل ويعد المعرض الأبرز للفنون والتصاميم بالعالم وتعتبر مدينة ميلانو المحطة الثانية في الجولة العالمية للمعرض الذي يشارك فيه فنانون من 12 بلدًا حول العالم. بعد المحطة الأولي باستنطبول بتركيا 2014 مع ما شارك به في أرت دبي وللمرة السابعة على التوالي، وما حققه في معرضه الشخصي السادس الذي أقيم في جاليري أرت سبيس بدبي ومشاركته مع عشرة فنانين عالميين تم عرض أعمالهم الفنية بشاطئ الجميزة بدبي وأيضًا تم عرض أعماله ضمن ستة فنانين عالميين في أرت فير باسطنبول للفنون العالمية. ويعد التشكيلي صديق واصل أحد واهم وأبرز الفنانين السعوديين المعاصرين بالحركة التشكيلية السعودية، وهو حائز على العديد من الجوائز المحلية والخارجية.
- monif.art@msn.com