لم تعد دراسة الاسم العلم مجرد موضوع نحوي جزئي يعرض عند الحديث عن المعرفة والنكرة من الأسماء لما لذلك من أثر في أحكام نحوية أخرى كالابتداء والخبر والحال وصاحبه والمصروف والممنوع من الصرف، ولم تعد جزءًا من موضوع فقهي فيعالج في إطار ما يجوز التسمي به وما يجوز تغييره كما في كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) لابن قيم الجوزية؛ إذ تعدّت دراسة الأسماء ذلك لتكون موضوع موسوعات كموسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب، ولتكون موضوع كتب ورسائل علمية تعالج أسماء الناس وأسماء الأماكن، وأما في اللسانيّات الحديثة فصارت دراسة الأسماء عِلمًا من علوم اللسانيات هو (الأسمائية)، ولعل خير ما يقدم لنا هذا العلم ويفصل مفرداته الكتاب الذي تفضل بإهدائه إليّ ابننا الأستاذ فهد العايد. وأما الكتاب فهو (الأسمائية في اللسانيّات الحديثة بين النظرية والتطبيق) كتبته زكيّة السائح دحماني، ونشرته كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة-تونس، عام 2014م، وقدم له أستاذنا إبراهيم مراد.
ذكرت المؤلفة أن الأسمائية فرع من فروع المعجمية، نقل مصطلحه إلى العربية إبراهيم مراد، وتهتم الأسمائية بدراسة الاسم العلم لغويا في ثباته وتحوله وتتفرع عنها علوم جزئية تعنى بالاسم العلم أدبيا ولسانيا.
جعل كتاب الأسمائية في بابين يعالج أحدهما القضايا النظرية، ويعالج الآخر القضايا التطبيقية. وفي الباب الأول (الأسمائية اللسانية) خمسة فصول، عرف الفصل الأول (حد الاسم العلم) الاسم العلم عند اللغويين العرب القدماء وعند اللسانيين الغربيين، وجعل الفصل الثاني (مفهوم الأسمائية المجازية) للحديث عن تعريفها وأصنافها وعلاقتها بالدلالة حيث تولد ألفاظ معجمية مستمدة من الأعلام، وأما الفصل الثالث (الاسم المحول والاسم الثابت) فهو درس لما يثيره العلم المحول والاسم الثابت من قضايا، فمن الأعلام ما تحول للدلالة على صفة غلبت عليه فيدل أشعب على الطمع وحاتم على الكرم وباقل على العيّ وإياس على الذكاء، وربما سميت الأشياء والأماكن بأسماء ملاكها أو مبتدعيها. وأما الفصل الرابع فهو (الاسم العلم بين التحجر والدلالة)، ونجد في هذا الإطار مذهبين أما أحدهما فيرى الاسم ليس له معنى بل هو مجرد لفظ يشير إلى شخص أو شيء، ونجد مذهبًا آخر يرى أن له دلالة فليس مجرد تتابعات صوتية خاوية بل يكتنز تاريخه المكتسب من أبرز من سموا به. والعلم دال بوجه من الوجوه فهو يدل على المسمى من حيث هو ذكر أو أنثى والعلم منه قديم تراثي ومنه حديث، وفيه دلالة على الأصالة أو العجمة. وختم الباب الأول بالفصل الخامس (الاسم العلم بين المعجم والقاموس)، وهنا تفريق بين العمل المعجمي المعالج للاسم بوصفه لفظًا موضوعًا لمعنى لغوي قبل نقله للعلمية، وأما العمل القاموسي فهو تعريف للاسم العلم بعد نقله للعلمية، فنجد في هذا السبيل كتب التراجم والطبقات والوفيات، وثمة ما عالجها معالجة دلالية مثل كتاب الاشتقاق لابن دريد والمبهج في أسماء شعراء الحماسة لابن جني.
يأتي الباب الثاني دلالة الأسمائية الأدبية في أربعة فصول، عالج الفصل الأول (التعريف والتحول) وفيه حديث عن أهمية العلم في الأثر الأدبي من حيث دلالته الإخبارية والتضمنية والرمزية، وهنا تبرز علة تخير أسماء الشخصيات الأدبية، وتضفي الأسماء الحقيقية للأماكن مثل الأندلس وبغداد وحيفا شيئًا من الواقعية للعمل الأدبي، وللعمل الأدبي أثره في إكساب اسم الشخصية فرادة بما يحاط به من صفات وما يلابسه من ظروف ثم إنه بها يتحول إلى رمز يمثل تلك الصفات المكتسبة. وبالمقابل قد تستبدل بالأعلام في الخطاب أسماء عامة مثل خنزير أو كلب أو حمار، كل ذلك لما تؤديه من وظيفة تواصلية حاملة على أغراض دلالية كالشتيمة وغيرها. وأما الفصل الثاني (وظيفة الاسم العلم ومحدداته) فعالجت المؤلفة فيه الأسماء في جملة نصوص منها موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح والشحاذ لنجيب محفوظ وشرق المتوسط لعبدالرحمن منيف، ووقفتنا على أثر تكرار الأسماء وتعريف الشخصية الأدبية وآليات التعيين التي هي جملة الأوصاف والمحددات الأخرى من ضمائر وأسماء إشارة وهي تربط العلم بالنص ربطًا محكمًا، ويأتي الفصل الثالث (دلالة الاسم العلم الأدبي) حيث يكتسب الاسم العلم في النص الأدبي ما يدل به على معنى خاص تفوق إشارته إلى مسمى، فشخصية عمر في الشحاذ لنجيب محفوظ رمز للفناء لا الحياة والتعمير المرتبط بالمعنى المعجمي لعمر. واختيار أسماء الشخصيات قد لا يكون اعتباطيًا بل هو جزء من فن السرد نفسه. ويعالج الفصل الرابع (الشخصيات وعلاقة الاسم بالمسمى) أصناف الأسماء الأعلام فهناك أسماء أخبار وأسماء إيحاء، وهدف الأولى مشاركتها في السرد للوقائع وأما الإيحائية فهي منتقاة لما يكمن فيها من معنى يوحي به لفظها. وتعتمد الروايات على المزاوجة بين الواقع والخيال في استعمال الأعلام.
ولسنا نزعم بما قدمناه أننا أحس نا عرض مضمون الكتاب؛ لأنه مكتنز بالتفاصيل التي يعسر أن تزوى في هذا المقام، ولا بدّ للقارئ من الوقوف عليها والكتاب جدير بالقراءة بحقّ.
- الرياض