كنت في البعثة في السبعينيات حين ظهر علوي الصافي في صحافتنا وكان ظهوره مدويا وباهرا بعد عودته من دراسته الحقوقية مصحوبة برصيد عميق ثقافة ومهارة كتابية مع شجاعة في الفكر والتعبير، وقد عرفت هذا حين عدت من البعثة، وأخذت في متابعة مجلة الفيصل حيث هو أول رئيس تحرير لها، وكانت الثمانينيات تعج ببوادر الحداثة وبوادر الصراعات التي كانت تشق طريقها وتنذر بأنها ستنفجر وانفجرت فعلاً في منتصف العقد الثمانيني، ولكن مجلة الفيصل ظلت مثل الميزان المعلق على واجهات المحاكم، رمزا للمساواة بين الخصوم، وحقاً فقد لعبت مجلة الفيصل دور المحايد الذي يعطي كل الأطراف حقها في التعبير ولا يمنع طرفا من طرف أو عن طرف، أي أنه ينشر لك وضدك في آن واحد، ويترك القراء يرون بعينهم كامل الصورة حيث توالت المقالات في المجلة.
وفيما يخص مجلة الفيصل (وشقيقتها المجلة العربية) فقد كان لهما حيز كبير من المساحة القرائية حيث كانت المجلات ذلك الحين تحظى بقبول عريض وبمساحة قرائية نخبوية عالية، وكان علوي الصافي على درجة عالية من الحرص على جعل مجلته منبراً فكرياً يتابع الجديد الثقافي، وهذا ما تحقق عمليا حيث تحولت مجلته وجهة لكل من أراد مقالاً جاداً في مادته وراقياً في أخلاقيات الخلاف، وحصلت كتابات معمقة عن الحداثة، معها وضدها، ولم يظهر علوي موقفاً منحازاً إلا للعمل الجيد كقانون للنشر في المجلة.
زادت معرفتي بعلوي مع تشاركنا في مهرجان المربد في بغداد في الثمانينيات، وعجننا السفر والتجوال في شارع المتنبي والمستنصرية، نمشي ونتحدث حتى عرف كل واحد منا صاحبه وسبره كما يسبر السفر الصحبة، وعرفت عمقه الوجداني والمعرفي وثراء ذاكرته وقصص الجيل الذي غبت عنهم حين بعثتي ولمس هذا النقص عندي عما كان يجري بين كواليس الصحافة فانسابت نفسه بسرد أوراق المرحلة وحكايات الثقافة غير المنشورة، وزاد على هذا أن توطدت المعرفة مع كتبه التي تنوعت فكرا وبحثا وقصصا إبداعية، مع قصص للأطفال، ولقد كتبت عن قصصه وعن تجنيسه الفني والأسلوبي ونشر دراستي كمقدمة لأحد كتبه.
ظل علوي الصافي يعمر الذاكرة الثقافية عطاء وثراء وسيرة غنية في منتجها وفي أخلاقيات سلوكنا الثقافي.
ثم جاءته ظروف صحية صارت تقلص حضوره الحسي ولكن مقامه المعنوي يظل في القلوب وفي الرؤية، وهو صاحب المقام الرفيع في ثقافتنا كإنجاز عملي بعلمه الثقافي الطويل وكإنجازات علمية وثقافية وإبداعية، حفظك الله أيها الصافي سيرة وذاكرة.