خالد محمد الخنين - الرياض
(1) الطريق إلى عكاظ :
سأكتب لعكاظ، وسوقها، وجادتها. تحياتي وتهاني نشيداً يشبه نشيد (المارسيليز) وسأذكر فيه أنها كانت أميرة الزمان والمكان، وأنها هي وحدها قيثارة الزمن ولحن القرون التي تجري خلفها عروش الممالك، وملاحم اليونان والرومان.
ها هي ترتدي عباءة القرن الحادي والعشرين ترفع راية الشعر بيد، وسيفاً عربياً يمانياًً أضناه صدأ النسيان، وعقوق الأهل والخلان باليد الأخرى، وها هي تبعث بعد ألف عام وازدادت خمساً وقصائدها المكتوبة على صحائف الذهب والفضة لا تزال أمام المنصة القابضة ترن رنين (البيانون) في سونات القمر.
(2) عكاظ على جدار الزمن..
عكاظ التي بقيت صامتة قروناً طويلة طويلة بقيت معلقة على جدران الزمن لوحات رسمت أصالة الثراث، وأمجاد العابرين على صحرائها في سنفونيات بقيت لحن الخلود؛ تحمل لغة مقدسة تنزل بها القرآن الكريم من فوق هيولى الكون، وسُجُفِ الفضاء السحيق.
تنزيلٌ من رب العالمين مبدع التكوين.. ينقط الإبداع ألقاًً غمامياً من جدائلها، ويتضوأ ليل الفكر بنور ونار توهجها، ففي الوهج العكاظي عزَّ نهار صائف.
وحسب وادي ثقيف ووادي العقيق، وحقول الشفاء ووادي وِج والمثنات وروابي شهار أن تصغي إليها طرباً مفاخرة كل البقاع الأخرى.. بأنها الأقرب إلى عكاظ، ويحق لعكاظ وحدها التي فيها طرب الحجر والشجر يحق لها أن تزهو بما ضيها كما تزهو اليوم بحاضرها. فعلى جدارها لا يمكن أن يُعلَّق إلا ما هو على مستوى روعة المكان وحضرة الزمان.. في الشعر لا يكون إلا الأصيل الجيد بناءً وفكراًً بعيداًً عن غثاء الشعر مهما اختلفت مسمياته، وفي العلوم والمعارف، والثقافات الأخرى، والتي أصبحت سمة هذا العصر الحديث فلا بد أن تأخذ حظها الوافر، وأن تكون لها جادة عكاظية إلى جانب جادتها التراثية، فيمتزج فيها الماضي بالحاضر، ويتعانق القديم والحديث في سفر عكاظي تكتب هذه الأمة مادته وتعلي البناء.
وفي الفنون والدراما.. تأخذ مكانة متقدمة. توضع لها الجوائز ليتم اختيار الأفضل ولتكون هناك جائزة تحمل اسم جائزة عكاظ للإبداع الأدبي والفني العلمي. وعلى مستوى الوطن العربي.
(3) بوح الوعاظ في سوق عكاظ:
أما وقد فرغ الجميع من عكاظ في عامها الثامن وغرد الشعر والأدب في أرجائها، وعقدت الندوات، وأقيمت المحاضرات، وسالت بعد ذلك بأعناق المطي الأباطح، واخذ الكل بأطراف الأحاديث وإبداء الملاحظات والنصائح فقد كان أهمها:
o غياب الإشهار بالمناسبة ولا سيما في ربوع الطائف بدءا من المطار على جنبات الشوارع والميادين، ووسائل الإعلام على اختلافها.
o ولكي تتحول بطاح عكاظ وجاداته إلى غابة وارفة الظلال فكم هو رائع أن يقام في كل عام غرس غابة تحمل اسم واحد من أصحاب المعلقات وممن وقف على عكاظ من ذوي الرأي والحكمة.
o إقامة متحف عكاظي يضم كل ما تيسر من مقتنيات لها صلة بعكاظ. كما يضم جناحاًً آخر لصور وأعمال من وقف على عكاظ أو شارك فيها مع توثيق لجميع الأعمال وبكل الوسائل الحديثة.
(4) وبعد فماذا نريد من عكاظ
نريد لعكاظ الفن، والشعر، والأدب، والعلوم، والمعارف، وصوت الحداء، وحفيف الهوادج نريد لعكاظ وسوقها وجادتها أن تنفجر فيها قوة الانبعاث، وتدفق الحياة، وقوة الإيمان بأن شمس الصباح القادم أكثر سطوعاً وأنها لن تغيب إلا لتشرق من جديد.
نريد لعكاظ.. كما يريد راعي الإبداع الأول في بلادي الملك عبد الله بن عبد العزيز. أن تكون منارة إشعاع، وبناء فكر، ومصدر علم ومعرفة، أن تكون مثابة للأفئد ة والعقول ناقلة لغة الضاد ذائدة عن حماها.
وكما يريد لها المبدع المتألق صانع قرار إعادة سوق عكاظ، ومعلي خيمتها بين وهاد الجزيرة والحجاز. الأمير الْمفَنْ والشاعر خالد الفيصل، وكل عام وخيمة عكاظ تصدح بجمال القول وقصائد الشعر الرائع، والنثر الفني البديع، لتحفظ للشعر أصالته وروعته، وللنثر قيمته وانتماءه.
ثم تعالوا أيها العكاظيون الأشاوس لنبعث سوقاً عكاظياً تليق بهذه الأمة ورسالتها، ألم يقل المؤرخ البريطاني «أرنولد تونبي» ستكون بلاد العرب أوديساً للعالم.
وبعيداً عن اللفظة في ضخامتها، والجلجة في بنائها فإنَّ أقصى المنى أن يأتي عكاظ رفيفاً رفيقاًً استثناء من واقع كان في سبيل واقع سيكون. وبهذا يؤدي عكاظ رسالته وهي رسالة عظيمة ينهض بها ولها حملة مشاعل النور والنار الذين يحترقون لينيروا الطريق لغيرهم.
وتحية تكرمة غالية مضمخة بالورد الطائفي الأخاذ أنثر ما في الراحة منه على جمع السوق العكاظي، وعلى كل من أسهم إشرافاًً وإعداداًً ومشاركة وحضوراً.. لتجمعنا عكاظ أخرى في حلة أبهى وأغلى..
- k-khoini@hotmail.com