مستورة العرابي - الطائف
تُعدُّ الألوان علامة بصرية تسهم في تكثيف دلالة النصوص لما لها من تأثير عميق في حمولة تجليات النص الخفية، إلى جانب ماتثيره في نفسية المتلقي من معانٍ تثير الدهشة بأبعادها الرمزية والدلالية والجمالية.
لذلك احتلت سيمياء اللون مساحة مفتوحة الحدود في مجموعة سعود آل سمرة القصصية «الأرواح المهاجرة» وكأن القاص قصد ذلك قصدًا مما زاد شعرية سرده وجماليته ورفع سيميائية اللون لمصاف الرمز ليحكي لنا عن هموم الفرد والمجتمع في لوحات فنية بديعة الألوان.
ففي قصة «دريّة الأعالي» يستحضر القاص اللون الوردي والأزرق والبنفسجي والأحمر تدريجيًّا وهذا التدرج إنما هو انعكاس للتدرج النفسي عند القاص كما في قوله حينما يترصد كالكاميرا تفاصيل الغرفة العصري الألوان «كأن ديكور الغرفة بألوان زاهية بين الوردي والأزرق والبنفسجي وسادة صغيرة على حافة السرير على شكل قلبٍ أحمر جذبتها إليها، ظلت تنظر إلى السقف دون حراك وهي في حالة شرود..» فقد أضافت هذه السيميائية اللونية على الفضاء السردي تناغمًا حوّله إلى لوحة فنية تجمع مابين الرومانسية والرقة وحالة السكون والشرود التي تغلف المكان فتتطابق شعرية اللغة بجمالية الألوان المتناسقة.
وفي قصة «المشراف» يستحضر القاص زرقة السماء مع سواد النخيل ولحظات الغروب «يكمن في مشرافه النائي يحلق ببصره تحت زرقة السماء، بمحاذاة السهل الممتد بجانب غابات الخمط المكتحلة بسواد النخيل وظلال نهاية النهار قرب الغروب» بحثًا عن الهدوء النفسي والاطمئنان والحرية والانطلاق في فضاء فسيح بعيدًا عن صخب المدينة المزعج، فهو بهذا السلوك ينأى عن التنغيصات إلى مشراف القرية الهادئة متعبدًا في جمال الطبيعة سابحًا في ملكوتها.
وفي قصة الوريقة «تجري الأيام وتتساقط كأوراق الخريف الصفراء، تمضي عجلة الزمن سريعًا وتطوي معها ملامح ذكريات ربيع العمر» فتظهر لوحة سردية ذابلة يزخرفها الألم ليعكس مدى إحساسه باليأس والبؤس والذبول وملامح الشحوب والانكماش من خلال توظيف اللون الأصفر في هذا السياق السردي.
وتحمل قصة «القط الأسود» سيميائيًا أكثر من دلالة من خلال توظيف اللون الأسود؛ فعبارة «قط أسود ينظر إليه في لوح المرآة» تحيل إلى الخوف والذهول والفزع والصمت المرتبط بسكون المساء، وعبارة «حتى التافهين من الناس أصحاب الأفكار السطحية أصبحوا أسودًا بسبب هذا القط المشؤوم» نجد لفظة «مشؤوم» والتي تعد من أيقونات اللون الأسود تحيل إلى القوة والجرأة ورفض الأوضاع المتردية كما يتضح من سياقات القصة.
ويقول في قصة «قافلة الزمن» اكتست الأرض خضرة واستبدلت بيوت الشعر والوبر بأكواخ الطين والخشب وأصبحوا يقدمون له الطيور بدلا من العجول، وأصبحت شاسعة كثيرة المياه والنخيل والأشجار ووافرة الثمار.... « اكتسب اللون الأخضر طاقة تشكيلية وسيميائية مضاعفة وذلك من خلال اتصال اللون بكون دلالي يصب في حقل الاشتغال اللوني سرديًّا؛ فالمنظومة الفعلية المتصاعدة دراميًا (اكتست - استبدلت - أصبحوا- ازدانت - بدلت- تغيرت) والمنظومة الاسمية المتعانقة دراميًّا (المياه- النخيل - الثمار - البذخ) تتفاعلان ليترشح منهما تعميق اللون الأخضر وأيقوناته المتعددة في هذا السياق السردي لينفتح بقوته السيميائية غير المحددة على الحياة والتجديد والانبعاث الروحي.
قارئ «الأرواح المهاجرة» للقاص سعود آل سمرة يلحظ بروز تفاصيل حياة الصحراء والبيئة القروية ببرها ومدرها وسفوحها ومشرافها وآكامها وجريدها، بالإضافة لارتباطه بالمكان المتمثل في ثنائية القرية/ المدينة، الصحراء/ البحر، الأرض/ السماء، وبين هذه الفضاءات الرحبة تتحرك ريشة القاص لتطوير أدواته الفنية من أجل خلق لوحة فنية إبداعية، كما لعب المعجم اللغوي للون الأسود وأيقوناته (سديم/ ليل/ مساء/ حالك/ ظلمة/ دخان/ سحب/ داكنة/ مشؤوم/ حجب/ موحش/ وحل/ عتمة) دورًا بارزًا في إنتاج المعنى وإضفاء البعد المأساوي من قسوة وضياع وغربة ومعاناة، كما نجد القاص آل سمرة يتناص في مجموعته القصصية مع التراث الشعبي كقوله: (حدّ محمد يذكر ماجا منكر) بالإضافة لتطويع معجمه اللغوي مابين الفصحى والعامية خصوصًا في اللغة الحوارية لخدمة النص السردي.