- القاهرة
تستطيع الرغبة أن تحركنا قليلاً، ولكن الخوف يحركنا أكثر. ربما كانت تلك العبارة صحيحة إلى حد ما في أزمنة مضت عما قريب، غير أنها الآن أصبحت تخالف الواقع الذي نعيشه في أيّ مكان كنا؛ ولا أحد يستطيع أن يزعم بأن هذا الواقع من صنع أيدينا بقدر ما نجزم أنه من صنع خوفنا (الماضي) ورغباتنا (الحاضرة) معاً. فلم يعد ثمة أحد يخاف من أيّ شيء خوفاً مستحدثاً الآن. صار كل شيء متوقعاً حتى المباغتة أصبحت متوقعة(!) أمّا الرغبات، فهي المستحدثة بظروف طارئة تنمو وتستفحل وتأتي صوبك عملاقة من طرقات شتى. بمعنى: الحياة أصبحت رغبة محلها الخيال، والموت بات خوفاً محله الذاكرة!
ما الذي اختلف؟
قد نحسب أن المعادلة هي كذلك دائماً، وقد تكون كذلك في حالة واحدة فقط: أن يكون التاريخ منساباً بلا مفاصل. وتلك مغالطة للتاريخ لأننا الآن في أحد أهم مفاصله وقد تراكمت حوله - حدَّ التضخّم - تبعاتُ مفاصله السابقة!
هناك رغبات قوية عند أعداد مهولة من البشر لا يمكن لأحد – حتى منهم أنفسهم – أن يجد مبررات لها؛ كأنما الدنيا أصبحت مجرد رغبات.. وفي المقابل هناك خوف كلنا نعرفه وقد تعايشنا معه حتى صار قاسماً مشتركاً بين كل أفراد الأمم، من شعوب وحكّام.
لستُ أدري لماذا تذكرتُ قصة (ومات خوفي) للأديبة ظافرة المسلول، التي نشرتها لها مؤسسة إصدارات النخيل قبل نحو عشرين عاماً، وأتساءل: هل ظلّ أحدٌ حتى الآن لم يمت خوفه موتاً طبيعياً مع احتفاظه بشبح له يمثل تذكاراً لخوفٍ محنَّط..؟!
ويبقى العنوان الأكثر واقعية الآن، قيد الانتظار (وماتت رغبتي) غير أنه يخلو من جاذبية العنوان السابق؛ تماماً كما خلت الأشياء الجاذبة من واقعيتها. هي مسألة تشبه انقلاب كل شيء على واقعه. أو هو انقلاب الواقع على أشيائه. أو هو:
انظريمينكَ..
هل ترى منهم يميناً؟
قلتَ: لا!
فانظر يساركَ..
هل ترى لكَ من يسارٍ؟
لا تقل شيئاً؛ عرفتكَ!
تستحيلُ إلى انتظارٍ
سوف يتبعه انتظارٌ
للأبَدْ..
(هي ذي بلادٌ فيا لشوارعِ،
لا شوارعُ في بَلدْ..)
فاجلس على طرفا لرصيفِ
وقل: سيأتيني القطارْ
اجلسْ
ترقَّبْ
نمْ
ترنَّمْ
هامساً:
(لاشيءَ بعدَ الانتظارِ سوى انتظارْ)؟
ستقولُ: لا..
(لا شيءَ يدعو لانتظارٍ، جاءَ أو ذهبَ القطارْ)!
- ffnff69@hotmail.com