ليس غريبًا تمكن الدكتور عبدالعزيز الحربي، رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية، من علوم اللغة العربية فتخصصه في القراءات والتفسير جمع بين الأداء اللفظي والتحليل الدلالي وآلة كليهما علوم اللغة المختلفة وهذا ما هيأه للفصل في دقائق ومشكلات لغوية نجدها في بعض أعماله التي منها (لحن القول) وما يعالجه من اللحن في هذا الكتاب شامل لما يخل في الوفاء بمهارات اللغة أو ما يعاند الكفاية الاجتماعية أو الكفاية الدينية، ويكاد يكون الكتاب صورة من صاحبه فهو جاد كل الجد ولكنه فكه يمزج لك جده بفكاهة وطرافة فلا ترى المعالجة الجادة لمسألة لغوية ثقيلة على النفس فتعافها أو يزور النظر عنها بل تقبل عليها، وهي معالجات اتسمت بالإيجاز الوافي بالمراد من غير استطراد أو ترهل في الجمل أو تكثر بفضول القول، واحتال الشيخ للمتعجل بحيلة تمكنه من معرفة حكمه وخلاصة قوله حيث ختم كل مسألة بخلاصة قصيرة فيها جماع قوله وما انتهى إليه في بعض سطر أو سطر قد يزيد قليلًا.
أعجبني الإخراج الفني للطباعة وهو أمر يضارع محتوى العمل من حيث أثره في النفس، وأما المحتوى فليس من السهل عرضه لأنه جملة من القضايا (230 مسألة) جرت على ألسنة الناس فمنها ما هو لحن لا ينتبهون إليه ومنها ما وصفه بعض اللغويين بأنه لحن وهو ليس كذلك.
من المسائل التي وقف عندها (هل يقال: يا ساتر؟!) ومن الواضح أن ليس في مثل هذا لحن في قواعد اللغة نحوها وصرفها؛ ولكن الأمر متعلق بسلامة استعمالها لعلة دينية لا لفظية، وأعجبني تحليله للمسألة وتفريقه بين أسماء الله التوقيفية وصفاته المستفادة من أعماله، وهي أعمال لا تحدها الحدود، وبهذا فلا حدود لصفاته، ومن هنا قرر في خلاصته «أسماء الله تعالى مبنية على التوقيف، ولم يرد (الستار) اسمًا من أسماء الله، ولنا أن نقوله على سبيل الوصف». ومن خلاصاته التي تمزج بالطرافة قوله «قل: فلان كسول، ولا تكن مثلَه».
تجد من سماحته وبعده عن التنطع والتشدد قوله «(وحشتني) لم ترد عن العرب بحروفها، وصدر اللغة يتسع لها؛ لأن أصل مادتها عربي». وهو هنا يشير إلى أصل متين وهو أن ما وافق جذورًا عربية وجاء على بنية من أبنية العربية فهو عربي، وبلفظ آخر أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب وهذا ما يفهم من قول إمامي العربية الخليل وسيبويه وما أكده الفارسي وتلميذه ابن جنّي.
والعمل الذي قدمه أستاذنا مبناه على الاجتهاد الذي لا يعدم الأجر، ومن أجل ذلك يمكن لغيره أن يخالفه في بعض ما انتهى إليه كما خالف هو غيره، فهو إن رأيناه متسامحًا في وحشتني نجده متشددًا في قبول جمع مدير؛ إذ يدون في خلاصته «لا يجمع (مدير) جمع تكسير، فلا تقل: مُدراء، وقل: مديرون». فلعلي أميل إلى قول المجمع القاهري، قال أحمد مختار عمر في معجم الصواب اللغوي «رأى مجمع اللغة المصري أن توهّم أصالة الحرف الزائد لم يبلغ درجة القاعدة العامة، غير أنه ضَرْب من ظاهرة لغوية فطن إليها المتقدمون ودعمها [ص:677] المحدثون؛ ولذا ففي الوسع قبول نظائر الأمثلة الواردة على توهّم أصالة الحرف الزائد، مما يستعمله المحدثون إذا اشتهرت ودعت إليها الحاجة. وقد ورد منها في القديم: تمندل، وتمرفق، وتمسكن، وتمدرع. وهو ما ينطبق على كلمة «مُدَراء»».
ومن الأمور المتوقف فيها ما انتهى إليه في خلاصته «لا يجوز نعت علاقة الرجل بامرأة أخرى علاقة مباحة بالخيانة الزوجية»؛ لأن المشهور عند مستعملي اللغة إطلاق هذا الوصف على علاقة محرمة شرعًا.
والكتاب في جمهرة ما ورد فيه رائع المحتوى، يصحح أوهامًا، وينبه إلى أمور قد تغيب عن المتخصصين، بله عامة المثقفين، وهو من هنا جدير بالقراءة والانتفاع بما ورد فيه.
- الرياض