د. يوسف حسن العارف
150 صفحة من القطع المتوسط
بحر قصيدة واسع.. وبحر قصيدة أوسع لا تتسع لرصده مساحة الزاوية سأحاول جاهداً خطف بعض ثمار شجرتها اليانعة والماتعة ولتكن البوابة:
نقرأ سوياً من خلال شعره الثر نكهة ومذاق الزنجبيل الحار بدفئه الدافئ في حرارته ديوانه أشبه بالأخيلة المجنحة التي تشدنا معه نحو مشاعره عبر مساحة مثيرة وكثيرة من الصور الجمالية الوجدانية منها والانطباعية.. بل والتخيلة ذات لحظة صحا شاعرنا:
صحوت لا موغرا صدري ولا أسف
ولا انكسار ولكن صابني حذر
أقول للنفس وهي اليوم سابحة
على غمام من الآمال ينتثر
يا سابحين على الغيمات آن لكم
ان تستريحوا فلا خوف ولا ضجر
هذه القصيدة نثرها مزق أوصالها في ديوان دون مبرر.. إنها قصيدة متكاملة الأوصاف والأذواق والقافية. أما حكاية الغيمات فما أحسب يا شاعرنا أنها الآمنة.. إنها عرضة لهبة الريح العاتية كي تسقط الآمال وتؤثّر في انتثارها.وعلى أفق شاعرنا الجميل يقول:
أفق صاحبي
لا تقول على طرحك الأبجدي
غائم فجر القبيلة
ومآل الروح بوح سرمدي
لا تجول مقلة الذات سماء
وارتقب ريحا ورملا وقل: واكبدي
الشخوص نحو السماء مهما كانت الكربة أجدى وأجدر من أن نتعثر.. أو نتعفر بالتراب هذه المرة أذاقتنا طعم الزنجبيل:
بالزنجبيل وبالودع الساكن أمشاجنا
صبَّ صباح صلاتك أو قل صلاتك
في قدح الصنو عل صباها
يرتل أشياءنا يصنع المستحيل
مجرد أمنية قد تزيل عنه غشاوة الظلام المطبق بجفنيه.. لعل وعسى.. وما أخالها كافية.. شاعرنا ما يفتأ يحاول المرة تلو المرة.. والكرة تلو الكرة.. أن يجرب ببصيرته ما لا يدركه بصره.
أغلق عيونك لا تنم
انظر إلى ذاتك وانظر إلى داخلك
إلى نفسك المدلهمة حزناً
وجرب أن تراها بلا بصر.. بلا نظر
جرب أن تراها بعقلك
وأيضاً عزيزي دع العيون مفتوحة لا ضير أن تزيد من مساحة الرؤية.. لن نخسر شيئاً مقطوعة هروب.. عن ماذا هرب شاعرنا؟!
اهرب من نفسي إلى نفسي
أتوضأ في ماء الأحزان وأصلي
بعض صلاتي شك بعض صلاتي إيمان
هروب شاعرنا من نفسه إلى نفسه محصلته لا شيء.. الشك يعالج باليقين.. والهروب يعالج بالأوبة.
حسناً في النهاية إن توكأت صبرا.. منتظراً فجراً يلوح في صبح القرآن..
وعن مقطوعة البحيرة ماذا قال العارف؟
على شرفة قرب ماء البحيرة
جاء (لامارتين) مبتسماً
أيقظتْ صحوه شمس الظهيرة
جاء منتعلاً أفقه والسماء
جاء والعشب يحكي لغة العشق والانتشاء
وشوش العشب ماج ولاج
واحتبست في نبضه سورة الاشتهاء
(لامارتين) بنعليه الأفق والسماء.. هذا كثير.. لنقل جاء ببرديه.. الأحذية تداس بالأقدام بعيداً عن الأفق والسماء. عن الوجدان.. عن القلب أظهر تباريحه ويقينه هذه المرة:
أتى شراعي بما لا تشتهي ريحي
ومن لظى الصحو قد جُنّت تباريحي
أيقنت أن مدادي ليس منسكباً
إلا على ألم قاس ومفتوح
فضيفي حول آمالي وبهجتها
أنى اتجهت فصدري ملتقى الريح
يا انت يا فتنة صبت مباهجها
على يقيني فأروت كل تسبيح
نثرت في دربك الآمال أغلبها
فعاونيني كفي صدي وتجريحي
لعلها سمعت الشكوى فاستجابت وأعانتك وعاونتك.. مع أن الحب بين عاشقين يعين نفسه دون تسوّل. هذه المرة لا يستجدي ولا يتوسل ولا يتسوّل العشق.. بلغة الآمر الناهي يتحدث على غير العادة:
كوني كما أشاء فراشة تتابع الضياء
كوني شمندراً أو وردة يضوع عطرها
من السماء للسماء
كوني كما أشاء نقية كماء
نقية كالأنبياء
كوني كما أشاء عروسة إلى الأبد
وغصن بان ما انثنى
الا لربه إذا سجد
مقاطع من قصيدته القاطعة بالحكم والنفاذ أحسبها مجرد حمى عاطفة مصابة باليأس وبالبؤس وبالذي لا يكون.. الاستقراء في الحب هزيمة وفشل.
أخيراً شاعرنا العراف بأمره في ديوانه عندما يورق الزنجبيل اصطفيت له من شعره الوجداني مقطوعة صباح ممتع.. بماذا استقبل صباه؟!
صباحها غضب وقربها عتب
أنا المسيء والحنون والعاشق المجنون
من أجل ما مضى والقادم الهتون
حوارنا.. عتابنا.. وينتهي
في رعشة.. وخفقة.. ودمعة
فتنجلي الحزون وتفرح العيون
لا عتب بدون حب.. ولا حب بدون عتب.. ويبقى الود ما بقي العتاب..
- الرياض ص. ب 231185 - الرمز 11321 ـ فاكس 2053338