مطرٌ أسود أسود
يتدفق نهر رماد
مطرٌ أسود يتنزى دماً وصديداً
ويغشى بفيض قذاه الربى والوهاد
مطر ينفض الأرض، يرجمها حمماً
ويواغل في رحِم الطين أكداره القاتلات
وينشر سود الوعود بأرض السواد
تحبل الأرض تمتص من وحلها وشلاً حالكاً
تتناسل أوبئةً فتقيء أجنّتها في القلوب
وتنفث ظلمتها في العقول
ويخبو النقا في نفوس العباد
مطرٌ أسود يمسخ النهر ألوانه
ويوشّح في النخل عتمته
ويحيل البيوت ركاماً
يلف الدروب ظلاماً
ويستأصل الأمن في جنبات البلاد
* * *
يقفز المشهد الدمويُّ العصيُّ الشقيُّ
إلى لوحةٍ يتواشج فيها
السواد بحلكته
والدمار بنكبته
والنجيع المراق
لوحةٌ تتسلق جدران تلك المنافي
التي نفثت سمها في أديم العراق
لوحةٌ تستطيل وتمتد طولاً وعرضاً وعمقاً
وتشرب منها العيون دفين المعاني
ونخباً من اللون مرّ المذاق
لوحةٌ تتناثر فيها الرؤوس
وينماز فيها بريق الفؤوس
تخبّئ أشلاء أحبابها في طوايا الحنايا
وتطفح في وجهها من أفانين أعدائها
ماحقات البلايا
وتفضح أسرارها مفردات السياق
* * *
مشهد تستعيد البدايات سطوتها في تجاويفه
وتذر قرون النهايات قاتمة في تضاعيفه
وتُسر تفاصيله سخريات الزمن
وطنٌ يتشاكل أو يتراكل أو يتآكل
والذكريات شظايا
وتاريخه طللٌ في ضمير المرايا
وأحزان شعبٍ تعصّت على الفن
عوداً ونايا
وطنٌ من مِحن
وطنٌ أم دِمن!
مطرٌ أسود...
يتبدّى نبيذاً بأعيننا الحالكاتِ
فنرقص في عُرينا الوطني
ونشرب للموت نخب الوطن