الفنانة منى القصبي ساهمت بإبداعها عبر اللوحة وأنشأت أول مركز للفنون
نواصل الحديث عن الوجه الأكثر إشراقًا وعاطفة وإخلاصًا للفن (التشكيليات)، ففي الأعداد الماضية أشرنا واستعرضنا بإيجاز تجارب أسماء رائدة في الفن ومنهم الفنانة سلوى الحقيل وبدرية الناصر من رائدات البدايات وممن لهن أساليب عرفن بها، ثمَّ الفنانة الرائدة صفية بن زقر التي ما زالت تعطي لهذا الفن إبداعًا وتفاعلاً ومنحًا لفرص التعلم والتثقيف من خلال دارتها، واليوم نسلّط الضوء على اسم لا يمكن تجاهله أو إغفاله فنانة تعطي من الجانبين الشخصي والعامَّة من خلال المركز السعودي للفنون التشكيلية الأول من نوعه وبرامجه ومكانته في نفوس مجاميع تشكيلية من الجنسين أصبحوا اليوم نجومًا في الساحة، تلك هي الفنانة منى عبد الله القصبي التي ولدت في حضن رجل الأدب والصحافة وأحد روادها ومع ذلك لم تمل لأيِّ منهم بقدر ما انحازت لموهبتها التشكيلية فأبدعت فيها وأعطت للآخرين أيْضًا فرصة من خلال المركز.
منى القصبي فنانة ولدت ومعها موهبة الرسم، ثمَّ اكتشفت خلال خربشاتها على كلّ ما يقع تحت أنأملها الصغيرة أنها تختلف عن الآخرين بما لديها من قدرات في اختزال كل ما تقع عليه عيناها مستشرفة مستقبلاً مليئًا بالنتائج الناضجة في تجاربها في بناء اللوحة ألوانًا وكتل تكوين عقدت معها شراكة وجدانية فأصبح رفيق طفولتها دون علمها أنه سبكون أحد هموم حياتها ومشروع مسيرتها الفنيَّة التي حققت فيها حضورًا متمبزًا..
اكتشفت في بدء خطواتها أنها تختلف عن الآخرين بما لديها من القدرة على اختزال الواقع واستحضارها عندما تقف أمام اللوحة.
تلتقط كل ما هو جميل وتتفاعل مع المواقف وتميل إلى الطّبيعه وتمنح المرأة في لوحاتها مساحة حسب الموقف إلا أنها تميل للجانب العاطفي فيها.. تهتم بالذكريات المحتفظة بها في الذاكرة دون أن تفوت فرصة ما تتفاعل معها فيما تراه مباشرة في الطّبيعة أو الحياة العامَّة.. مع ما يلاحظ من ميلها للطبيعة خصوصًا الزهور.
لقد حظيت الفنانة منى القصبي بعائلة راقية في نظرتها للإبداعات الإنسانيَّة ومع أن والدها رجل أعمال لا يشق له غبار وأحد رواد الأدب والصحافة السعودية إلا أنها لم تكن بعيدة عن ثروته الإبداعية لكنها تولت مهمة تبني موهبتها في الرسم لتجعل منه خطًا موازيًا لعطاء والدها الذي وقف معها وشجعها بدءًا بتهيئة السبل لتنمية مهاراتها وصولاً إلى إنشاء أهم محطة في حياتها (المركز السعودي للفنون التشكيلية).
مرحلة العطاء والمنافسة
انطلقت الفنانة مبحرة في بحر التشكيليين والمنافسات الكبيرة بين الفنانين في جدة التي تعد بحق عاصمة الفن التشكيلي السعودي ومن هنا يمكن لنا القول إن الإبحار لن يكون صعبًا بين غوص في لجج تجارب من سبقوها وبين السباق نحو الصدارة، فلكل من هذه السبل قدرات وإمكانات، لم تكن تلك السبل وصعوبتها حائلاً دون الخوض في مساحة التحدِّي مع ذاتها ومع الآخرين من الفنانين والفنانات، وانطلقت نحو تنمية مهاراتها ذاتيًا تبعتها بصقل الموهبة من خلال الاطِّلاع وزيارة المتاحف والتعرف على تجارب وخبرات من سبقوها محليًّا وعالميًا، إلى أن تجاوزت مرحلة البحث عن هويتها الفنية وأصبحت أعمالها تعرف دون إمضائها عليها.
المركز الحلم والعطاء الوطني
ليس سهلاً أن يقوم الفنان بإنشاء مركز للفنون مثل المركز السعودي للفنون التشكيلية الذي أنشأته الفنانة منى القصبي ويُعدُّ أول مركز متخصص بإشراف من الرئاسة العامَّة لرعاية الشباب مع ما تبعه لاحقا من إشراف وزارة الثقافة والإعلام، يتولى خدمة الساحة التشكيلية خصوصًا في المملكة التي لا زال الاهتمام باقتناء العمل الفني محدودًا مع ما نضعه في الحسبان فيما يتعلّق بالتكلفة الإنشائية والصيانة ومكافآت العاملين وإدارة البرامج في المركز، ولهذا يعذر من يقوم بمثل هذه المبادرة بأن يضع للعرض في صالاته أو تلقي الدورات رسومًا لتغطية التكلفة، في وقت تفتقر فيه المملكة لمثل هذا المركز.
تَمَّ تدشين المركز السعودي للفنون التشكيلية عام 1408 هـ وتجاوزت المعارض المقامة فيه أكثر من مائتي معرض تشكيلي، كما استضاف معارض لفنانين عرب وأجانب أضفت للفنانين السعوديين الكثير من المعرفة بتجارب الآخرين فأصبح المركز السعودي للفنون التشكيلية بهذا لحراك والتفاعل أحد المعالم الثقافية المتخصصة في مجال الفنون التشكيلية في مدينة جدة ومنطلق للعديد من التشكيليين من مختلف الأجيال إما من خلال تلقي الدورات أو إقامة المعارض.
كما يقوم المركز على تقديم دورات للناشئة من أجيال الفنون التشكيلية حيث يتلقى الطالبة أو الطالب الأسس الأولية لبدايات الرسم وكيفية بناء اللوحة وتكوين العناصر واستخدام الأقلام يتبعها استعمال الألوان الزيتية والتعامل معها، كما يتلقى الطلبة الكبار جانبًا تثقيفيًا موجزًا عن النظريات الفنيَّة وعن تاريخ الفن ورواده ودراسة في الفن الإسلامي والفن السعودي وعن رواده ومشاركتهم، يحصل الملتحق أو الملتحقة من خلالها عن صورة مختصرة عن الفنون التشكيلية في أربعة مستويات كاملة.
ومن أهم الدورات التي يقدمها المركز، دورات الفنون التشكيلية والتصوير الزيتي بالنسبة للكبار والمائي والرسم على الزجاج والنحاس والقماش للأطفال والسيراميك والخزف والديكوباج على القماش والديكوباج البارز والرم بالفحم والباستيل... وهذه الدورات تقام بصورة دورية منظمة خلال السنة وخلال العطلة الصيفية التي تقدم للطلبة والطالبات في جميع المراحل..
سيرة ومسيرة
تحفل سيرة الفنانة منى القصبي بالكثير من المساهمات والمشاركات حصلت فيها على الكثير من شهادات التقدير ودروع التكريم في مشاركات محليَّة وعربيَّة وعالميَّة في المغرب وفرنسا واليمن ومصر وغيرها خلال مشاركاتها في أكثر من مائة معرض جماعي ولها ثلاثة معارض شخصيَّة.