ضجر.....
أعرف ماذا يعني صوت دقات الساعة، بالنسبة لي هو أحد أمرين، خوف يسيطر علي أو أرق مصحوب بضجر، والرفيق في الحالتين «تكات» الساعة! الوحدة التي يملؤها صوت الثواني التي تمر سريعة، مستعجلة غير مكترثة بنا، حين تستلقي على جانبك الأيمن وتسمع نبضات قلبك التي تتناغم مع الساعة عبر غشاء أذنك، دم دم دم ثم تك تك تك، وأنت تعد هذه وتلك، كأنها نسخة حديثة من الخراف التي تحصيها عندما تحاول القبض على لحظات النوم ويتمنع!
أستلقي ثلاث مرات في اليوم، ليلاً، وبعد الفجر ثم بعد الظهر فيما يشبه القيلولة، رغم أنها تشبه كل شيء إلا القيلولة، وأغرق في الأصوات المنسكبة في فضاء الغرفة بلا نهاية، صوت المفرقعات النارية أو طلقات الرصاص التي تأتي من بعيد وصفارة سيارة الشرطة أو الإسعاف (لا أميز بينهما) وصوت الطيور التي تحمل ستارة الليل بمناقيرها، رنة هاتفي برسالة نصية، أو رنة المنبه ليحين موعد دواء أمي، وصوت أحلامي المغرقة في الحلم!
الستارة تهتز بخفة بفعل نسيم الليل اللطيف، هذا آذار سيغادرنا، يحزم حقائبه كما بدأت أفعل أنا، أهيئ حقائبي وصناديقي وأعد قوائم الهدايا والأشياء التي أحتاج إليها لأبدأ جولة التسوق هذه الأيام، أركض، لا أحاول اللحاق بالأيام، أريد أن أسبقها، وكل شيء يجرني إلى القاع، كأني مربوطة بحجر، لا أدري لم تذكرت فيرجينيا وولف التي انتحرت غرقًا في النهر بعد أن ربطت بقدميها حجرين ثقيلين (رغم أني لا أنوي ذلك)!
الليل عباءة الساحر، قد لا يخرج منها ما هو مبهج بالضرورة!! منذ ليلتين مر أبي سريعًا مثل طيفٍ، سيكمل هذا العام واحدًا وثمانين عامًا حصتي منها سبعٌ وثلاثون قصيرة، غادرني مستعجلاً دون أن يعرف أنني لا أتخيل رحلة دونه، لا أتخيل مستقرًا دونه، سأمر على منزله الأخير (أقبل ذا الجدارا وذا الجدارا) وأخشى أن أصدق أخيرًا أنه غادَر!
الليل، يفتح أبواب الضجر، وهو ليس الملل الفارغ، إنه شعورك بالوحشة والخوف و»الكركبة»، شعورك بأنك ستودع مكانك وستحمل حقائبك في مرة ثالثة دون أن يعني ذلك أنها الأخيرة.
الليل عباءة ساحر!
بثينة الإبراهيم - القاهرة