الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدعوة النجدية
وعند هذا الباب إذا كان نابليون يقول: (إذا ذكرت الثقافة تحسست مسدسي) فأنا عند هذا الفصل تحسست صدريتي الواقية من الرصاص، فالمسألة مسألة (ما بعد) ومع ذلك خلعتها وانغمست حاسراً، فماذا عثرت عليه في هذا الفصل؟
بدأه بنقلين لمحمد جلال كشك وبرهان غليون يقدران فيهما النقلة التاريخية مع هذه الدعوة، يلي ذلك يورد الكاتب ثلاثة أسباب لعدم انتساب بعض الفصائل السلفية لهذه الدعوة، الأول خلاف شرعي والثاني خوف سياسي والثالث أن الرجل دعا إلى الإسلام ودعوته هي دعوة الإسلام فلا داع للتمييز بالانتساب لها ثم يأتي سؤال الأسئلة وهو:
ما مدى صدق تمثيل الدعوة الوهابية للسلفية، المنهج الذي كان عليه إجماع صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؟
فيقول: والإشكال الأساسي عند الإجابة أن محور هذه الدعوة تكفير وقتال من توجه للقبور داعياً ومستغيثاً بأصحابها والصحابة لم يقع منهم ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مات بعد ما قضى على مظاهر الشرك وغيره من شعائر الأولياء والأصنام، ولم تبدأ هذه المظاهر في العودة كظاهرة يرتكبها مسلمون ويزعمون شرعيتها إلا بعد أربعة قرون كاملة أو تزيد.
وأقول أنا: إن هذا هو المطلوب عند الوهابيين، إذ سيردون بقولهم ونحن نفعل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من تكفير وقتال من توجه بالدعاء والذبح لقبر ولي مثل اللات أو حجر أو غيره والصحابة هم جنود النبي صلى الله عليه وسلم في حمل هذا اللواء وأنا أعلم أن الكاتب يقصد مسلمين يقع منهم هذه الشركيات عند القبور وأن هذا ما مر على الصحابة ومع ذلك فقراءة القواعد الأربع للإمام محمد بن عبد الوهاب كافية في الإجابة عن هذا السؤال وخلاصتها أن كفار قريش مقرون بتوحيد الربوبية ولن يدخلهم ذلك في الإسلام وهذه حال المسلمين الذين تقع منهم شركيات وأنهم يقولون مادعوناهم إلا للقربة والشفاعة وهذه حال المشركين المعاصرين وأن معبوداتهم متنوعة أحجار وأولياء وجن وأنبياء وكذلك المعاصرون، بل إن كفار الجاهلية يشركون في الرخاء ويوحدون في الشدة وأهل الزمان يشتد شركهم في الشدة وأورد الشيخ الأدلة على كل ذلك وعليه ففعل الوهابية هو عين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا كان أبو بكر كفر بعض مانعي الزكاة وأهل الردة وقاتل الجميع فكيف لو منعوا التوحيد وكذلك فعل الشيخ فهو يقاتل أحيانا بتكفير وأحيانا أخرى بغير تكفير بحسب الحال وليس هذا موضع النقاش فالكاتب لا يخفى عليه القتل والمقاتلة وعدم ملازمة التكفير للقتال وموضوعات لو امتنع أهل بل عن إقامة شعيرة والفرق بين التأويل في منع الزكاة وادعاء عدم المخاطبة بها مما لا نريد الإطالة فيها.
ولا يخفى هذا كله على الكاتب ولا أظنه يخالف فيه خصوصاً وهو صاحب التغريدات الشهيرة في الرد على من شبه أفعال داعش بطريقة محمد بن عبدالوهاب وفي تغريداته أمثلة لفعل الصحابة والتي رد هو فعل الوهابية في القتال والتكفير لها فكيف يقول هنا إن فعل الوهابية لم يمر على الصحابة ولم يفعلوه؟
ولو أن الكاتب ناقش مسألة قتال البعض وتكفير البعض فهذا حق مشاع بدليل الوحي وأحداث التاريخ وفقه واقع الدعوة النجدية ومع ذلك فلا أدري لماذا هذا السؤال وكيف تم الربط بين عدم فعل الصحابة لهذا وفعل ابن عبدالوهاب له وفي هذا التساؤل تمويه على الغر وذريعة للمتربص بلا دليل والكاتب كما قدمت بريء من تقصد هذا الأمر وهل ينتظر من المشركين المعاصرين أن يقولوا نحن مثل أبو جهل ففعلهم وحالهم حال (اجعل الآلهة إله واحداً) ثم أيضا عندما يقول إن مستند الوهابية في التكفير والمقاتلة نصوص الوحي التي تحرم التوجه لغير الله بالدعاء والاستغاثة وأيضاً نصوص ابن تيمية في التشنيع على الممارسات الوثنية ألا يكفي هذا المستند أم لا بد أن يفعل ذلك الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقد فعلوه في حياته وبعد موته كفروا وقاتلوا المرتدين ومانعي الزكاة فهذا فعل الصحابة ثم أيضا النبي صلى الله عليه وسلم علم الصحابة بعلوم وأمرهم بأوامر عليهم القيام بها إن وقعت ومنها طريقة التعامل مع الدجال وخوارقه والموقف من الفتن وأحداث آخر الزمان وغيرها الكثير من الأشياء التي لم تقع في حياة الصحابة ولو وقعت لعملوا فيها بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أيضا المدونات الوهابية الكبرى منها والصغرى فيها من إيراد الأدلة عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب قتال وتكفير من يشرك ومنها (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) فهؤلاء قالوها ونقضوها فلم تنفعهم فقاتلهم ابن عبدالوهاب وهذا فعل الصحابة فليت شعري هل يقول مسلم بأن (أُمرت) خاصة برسول الله؟!
ولكن الكاتب لا يتناول هذا البحث بنفس الباحث الشرعي بل بنفس المؤرخ للأفكار وعليه فهو بعد ذلك أورد بعض الاعتراضات الشرعية الموجهة للدعوة النجدية ولم يحلل هذه الاعتر اضات من حيث الصحة والخطأ بل من حيث مدى تحقق الطابع السلفي على ممارسات الوهابية وهل للحكم بالتكفير على الأفعال التي كفر بها الوهابيون خصومهم بنفس الصورة نظير في التحقيقات التاريخية السابقة عليهم والجواب بحسب الكاتب نعم فهذه الممارسات لا يمكن أن يقطع بنفيها عن السلف بحسب الكاتب وأيضاً ابن تيمية سبق لهذا ولا يمكن أيضا بحسب الكاتب إخراج الوهابية عن كونهم تحققاً للسلفية إلا إن تم إخراج ابن تيمية قبلهم ولكن الكاتب لم يجب عن سؤال:
هل يمكن القطع بإثباته للسلف وبالتالي يكون معتقداً سلفياً ويخرج المخالف فيه من السلفية؟
وتعذر عن الإجابة لأن هذه مهمة الفقيه والكلامي لا مؤرخ الأفكار وهذا تناقض فقبل السؤال بأي قلم كان الكاتب يكتب عندما ذكر أن أفعال الوهابية هي أفعال السلفية وطبيعي أن من خالف السلفية في هذه المسائل لا يعد متبعاً للسلف عندهم خصوصاً أن الكاتب أورد أمثلة على تكفير السلف لمن ألقى المصحف في الحش أو من قال بخلق القرآن ومن سب دين المسلمين وعلى كل حال فهذا الباب يحتاج لمراجعة أخرى من الكاتب وهو أهل لذلك فعدته المعرفية وأدواته المنهجية موازية لمثل هذه المراجعة ولا يكفي أن يؤكد على أنه مؤرخ أفكار إذا لو خلص الباب لذلك فلا بأس ولكن الباحث الشرعي حاضراً بقوة ومتماهياً مع مؤرخ الأفكار لدرجة أن من أراد الفصل بينهما سيصاب بالدوار (وبيني وبين صديقي) كما نقول فالتدثر بملحاف مؤرخ الأفكار حيلة فكرية جيدة لعدم التورط في بنيات الطريق وخلق مشكلات وقتها غير مناسب خصوصاً بعد التغيرات الجديدة في المشهد السعودي ومن الواضح أن الكتاب كتب وهو يتظلل بمزاج ما قبل هذه التغيرات وهذا سبب ثانٍ لمطالباتنا بمراجعته كي يكتمل ويخلص لتأريخ الأفكار فقط وليس المقصود إن يسمع الكاتب الوهابيين ما يريدوا سماعه ولكن ليخلص البحث لمؤرخ الأفكار ويرسي الكاتب على بر هل الوهابية امتداد للسلفية التي هي فهم الصحابة أم أنها مخالفة لهذا الفهم؟
مع أن هذه الحيلة ليست مقصودة من الكاتب ولكن في اللاوعي تكمن أعتى الصراعات النفسية والفكرية وحتى المنهجية التي لا ينجو منها من خط سوداء على بيضاء والكاتب صديقنا ولكن ثمرة الباب مطلوبة أيضاً خصوصا وهو باب الكتاب حيث إن آخر تمظهرات السلفية هي الوهابية كمركز ومظلة كبرى لسائر السلفيات لأسباب تاريخية ودينية وسياسية لا تخفى على مهتم أو غير مهتم يختم الكاتب الباب بالتصريح بأن الوهابية وقع لديها خلط بين مسألة قتال فاعل المحرمات أو تارك الواجبات الظاهرة المتواترة وبين قتال من وقع في مثل هذا وأكبر منه ولكن تشرعاً يظن أنه دين محمد الذي بعث به وهذا من أسباب الخلل عند الوهابية فما كان من الجنس الثاني لا يصح أن يجعل كمن ترك الصلاة والزكاة فلا يقال مثلاً قد ترك التوحيد أو ترك دين الرسول لأن الإشكال كله في قيام الشبهة التي تجعل التارك لا يحقق أن هذا هو دين الرسول بل يظن أن ما هو فيه هو عين دين الرسول وهذا الطرح من الكاتب لا أدري هل هو بقلم المؤرخ أم الفقيه والحقيقة أن منهج الكاتب في ختام الفصل وقبله عند العذر بالجهل حصل فيه اضطراب بيَّن فعند العذر بالجهل قال: لا نريد التورط في تحقيق موقف علماء الدعوة الوهابية منه ومع ذلك بنى على موقفهم تقريرات قارن بها موقف ابن تيمية في مسألة إقامة الحجة وذكر أن تعامل ابن تيمية هو الصحيح والخلط والخطأ من نصيب الوهابية فها هو تورط في النتيجة وإن أعرض عن المقدمة التعريفية بموقفهم من هذه المسألة ثم هو هنا يرى أن الطواف والذبح والدعاء عند قبر زيد بن الخطاب أخف من فعل المحرمات أو ترك الواجبات لأن من دعا صاحب القبر لديه شبهة فهو يظن أن هذا هو دين الرسول وفقهاء محلته هم الذي شرعوا ذلك له وبيان أئمة الدعوة لا يكفي بحسب الكاتب في إقامة الحجة فلماذا كفروه وقاتلوه؟! وهذا ما سنعلق عليه الحلقة القادمة بإذن الله.
- الرياض
t.alsh3@hotmail.com
TALSH3# تويتر