لا يمكنني تصور المنهجية النقدية إلا عبر شجاعة القول أو في حكمة الصمت حين لا تمكنك الشجاعة، وذاك أن الناقد بين أمرين من أموره لا بد له أن يرسم خطا أحمر بينهما لكي لا يفسد أحدهما الآخر، فالأول هو أننا في حياتنا نقف على أشياء نشعر أننا لا نستطيع القول فيها وإلا تعرضنا لخطر يمسنا مباشرة، وتتعدد الأسباب من الشخصي للاجتماعي للمؤسسي، كما يتنوع الخطر من الفرقة والمعاداة المباشرة أو التعطل الاجتماعي وظيفياً بمعنى تعطل تواصلك مع الناس حتى ليصبح أثرك فيهم ومعهم وعليهم محدودا أو مقطوعاً وقد تتعطل رسالتك ولا يبقى لك دور.
كل هذه أمور تحدث ويمر بها كل كائن بشري، حتى ليجد السياسي نفسه مقيداً وممتنعاً عن الكلام وكتم رأيه خشية من مغبات القول، وإن بدا هذا واضحاً على السياسي وحله عندهم متفق عليه بالصمت إلا أنه عند الناقد والمثقف أكثر تعقيداً من حيث ضرورة تعرضه لكلام الناس ونقده وتشريحه، ولقد وجد النقاد دوماً طريقهم عبر هذه الأراضي الملغمة فميزوا بين مقتضيات شجاعة النقد وصرامته وبين ما يصعب القول فيه، وذلك لكي لا يساوم على شجاعة النقد ويضطر للقول الموارب أو المجامل أو ماهو أخطر، ولكي لا تكذب ويكون كذبك ضرراً كبيراً على الناس الذين يثقون بك ويجعلون قولك حجة لهم فإنك تسكت تجنباً لهذا التزييف القسري، وتختار المسائل التي تستطيع القول فيها دون تزييف وتركز نشاطك عليها، وكلب ينبح منبها عن وجود حرامي يحاول تسلق السور خير من شيطان أخرس، وإن وجدت نفسك بين الخيارين فاختر وظيفة الكلب وتجنب وظيفة الشيطان، وأخطر منها وظيفة الناطق بلسان الشيطان حيث يزين الشيطنة ويسوقها وحينها يكون الصمت أوجب وأشرف.