للقصائد ومضات شعرية ورسائل إنسانية
تسعى الشاعر أحلام الثقفي ومن خلال ديوانها الأخير «لغة الكرز» إلى مد جسور من الود، والألفة من خلال الرؤى الشفيفة، والصور الحالمة رغبة في الوصول إلى ذائقة القراء، لتكون هذه النصوص رسائل معبأة بمشهد الومضة التي تترك أثرها الجميل في الوجدان.
فاختيار العنوان «لغة الكرز» لهذه الاضمامة من النصوص هو إرهاص أول لتجاذبات عالم اللغة ومحاسن الجمال، فالكرز بمذاقه الرائع له لغة أكثر إيحاءا.. فقد أرادت الشاعرة بهذا الديوان أن يكون رقيقا وسهلا ومباشرا في تبتلاته وتأملاته وتطوافه في تفاصيل أفق المفردة الإنسانية التي باتت هذه الأيام تبحث عن ما يثير القلب أملا وفألا..
«أيا ريانة العود
دعيني أرنم
أغنية الحور
لتساقطي
مطرا وعطرا»
فالشاعرة تعنى بلغة النص المقتضب والرشيق.. فهو أسلوب شعري مناسب، يتخلص من تبعات وتداعيات الإطالة والترهل، فالنصوص في هذا الديوان لا تخرج عن مضمون الومضة، أو الفلاش السريع الذي يضيء الفكرة، ليخلف في المكان مشهد التأمل الخاطف لمعاناة الحياة، وشقاء الإنسان في البحث عن خلاص ممكن من منغصاته اليومية، مع إضفاء مزيد من التفاؤل.
في القصائد أو الومضات الشعرية رؤية محددة الإطار؛ تسعى من خلالها الشاعرة «أحلام» أن تجعل من هذا الوميض رسالة إنسانية تُشهد العالم على حجم رغبتها وشوقها بأن يصبح أكثر هدوءا وأقل ألم.. لعل الشاعر أو الإنسان الحالم يفرح ببعض تفاصيل آماله..
«يا أيها المتأملون..
هل تشهدون؟!
كيف لفجري أنفاس
ولحروفي سكر وحبر..
وقد كان هو المحبرة
والفكرة والعطور..»
من هنا يمكن لنا أن نؤكد أن الشاعرة ومن خلال هذه الاضمامة من القصائد أو الرسائل الوجدانية أرادت أن تنتصر للفكرة التي تعتمد عليها في كتابة النص.. أي أن تدور مفاصل كل قصيدة على مفهوم واحد وبإطار محدد، لأن الفكرة تسعى إلى تحديد ملامحها وبيان ما ترمي إليه، فلا يمكن لنا أن نحمل النص هنا أكثر مما يحتمل، لنتابع معها ومن خلال هذه الجداول التي تترقرق متهادية نحو مصب نهر الحياة الكبير.
فلا بأس أن تعكف القصائد وبجهد واضح وفكرة محددة على أن يكون الهدف من هذا البوح الشعري هو تأمل حياة الإنسان الحالم الذي ينتظر واقعا أكثر رحابة، وبساطة دون أن يتحمل الإنسان بمن فيهم ـ الشاعرة وقصائدها ـ لأوزار المعاناة التي تعصف بالعالم من حولنا.
تفاصيل الحياة في هذه القصائد هي رسالة إنسانية من الكاتبة.. بل هي رؤية عصرية تخلقت من فكر امرأة تبحث عن الحياة الهانئة، لتسجل حلمها على جناح فراشة ملونة تزهو بسويعات حياتها الرشيقة جدا..
«أفتح يدك
سأقف براحتها كفراشة
سأخطط معك ألوان الغد
سأقسم الحقول
والسماء والأرض..»
فالنص هنا عني بتفاصيل الحياة التي تنشدها الشاعر؛ كما أنها ومن خلال هذه الرؤية الجمالية لما حولها كتبت لنا نصاً سرديا.. شعريا متكامل المعالم، ليحضر المكان ـ كف اليد ـ والزمان في ـ ألوان الغد ـ والحدث في البحث عن رؤية جديدة، لتبقى الشاعرية فقط مشهدا يؤثث اكتمال القصيدة التي جاءت على هيئة معمار بثلاث أدوار أو طوابق، فقد استطاعت الشاعرة أن تنفذ للقارئ من خلال هذا النص المتوائم مع فكرة الكتابة لديها فكان مثالا جميلا وراقيا؛ يعكس رؤية وجدانية متأصلة في شرح تفاصيل ما تريد بطريقة شيقة تسجل للديوان حضوره في الوجدان والذائقة.
فن الوصف في هذه النصوص يستلذ في تقديم رؤية الجمال، وتفاصيل مكونات البهاء وتقديم كل ما استدق من صور حالمة، لتكون الشاعرة أحلام معنية بهذا الفن أو الطريقة التي تصف فيها ما تريد على نحو متوازن، لا صنعة فيه أو تكلف.
بيئة الكتابة، أو عالم النصوص مغرق في تفاصيل رؤية الحياة العصرية، وآلامها المعاصرة، فلا تنسى الشاعرة أن تدون كل تفاصيل معاناتها حتى وان أسبغت عليها من كرم فألها الكثير، فهي المعنية دوما في أن تظهر جمال هذه المعاناة، وبهاء تلك المواقف التي ترى أنها جديرة بالتدوين والمتابعة، لتطوف بنا في أرجاء حقل الكرز الذي اختارت ثماره حبة وراء حبة، لتكون لنا هذه اللغة الجميلة والزاهية من كرز الشعرية والصور الجمالية؛ فكان الديوان حري به أن يُقرأ، ليستنبط من كرز المعاني ما يروق للقارئ أن يقطفه، ويسعد في تذوقه.
** ** **
إشارة:
- إشارة :
- لغة من كرز (شعر)
- أحلام الثقفي
- الانتشار العربي - أدبي الطائف - 2014م
- يقع الديوان في نحو (180صفحة) من القطع المتوسط