كنت قد بينت في العدد 481 من يوم السبت 23 صفر 1437هـ، في هذه المجلة الرائدة بعضاً من الآثار الضعيفة تلك التي يستشهد بها كثير من العلماء والأدباء والمثقفين، في الكتب أو البحوث أو المقالات الصحفية، وسبب هذا ما يرد إليّ من كثرة الأسئلة في مناسبات متعددة عن الآثار الضعيفه وأحيانا الأماكن التي لم يصح موضعها بحال إنما يعتمد الباحثون والعلماء والمحققون على كتب التاريخ والسير والأخبار دون دراسة للسند أن بعضهم يقول لا يحتاج الأمر إلى السند وهذا في نظري من أجلّ الأخطاء في تحقيق الحقائق وإثبات الصحيح في الأزمنة والأمكنة وحتى نضيف شيئاً جديداً علّه يفيد ويسار عليه نبين بعضاً من هذا وذاك،حتى تبرأ الذمة على ناضحة من القول تدوم في حال الخلود فمن تلك الآثار:
1- ماء زمزم لما شرب له.
2- أكرموا عمتكم النخلة.
3- إذا بلغ الماء قلتين لا ينجسه شيء.
4- الباذنجان لما أكل له.
5- أول ما خلق الله العقل.
(وجميع ما ورد فإن أول ما خلق الله العقل كلها موضوعة وبعضها ضعيف ضعفاً شديداً)
6- تركتكم على المحجة البيضاء والصحيح ترتكم على البيضاء بدون ذكر المحجة.
7- من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، هذا رواه عمّار بن ياسر وهذا ضعيف جداً.
8- لم يرد نص صحيح أن كربلاء مقدسة،بل هذا من وضع المبتدعة.
ونبين الآن بعض ما ذكره صاحب مروج الذهب والإمام الأزرقي والإمام ابن شبه وكذا أبو الفرج الأصبهاني، وكذا ابن عبدربه وسواهم من الإخباريين نبين ما يلي:
1- لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم 12 ربيع الأول.
2- لم يثبت بسند صحيح كل رواته ثقات إثبات ما كان مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
3- لم يثبت بسند صحيح سالم من الخلل أن علياً رضي الله عنه دفن في الكوفة.
4- مثله لم يثبت بسند صحيح أن الحسين دفن في كربلاء بل دفن خارج كربلاء بعدة أميال خشية الفتنة، وكذلك علي، وكذلك أيضاً لم يثبت أن قبر آمنة أم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأبواء، وقد روى الطبراني في الأوسط حديثاً صحيحاً عن ابن مسعود أن قبرها ليس هناك، وهذا ما أجمع عليه علماء المتون الذين هم أصل في صحة الأماكن وهم أصل في صحة ثوابت الأسانيد والجرح والتعديل.
5- لم يثبت أن رأس الحسين كما يقال مدفون في مصر بل هذا من الباطل بمكان وهذا أمر لا يقبله العقل السليم كيف وقد أبطله الثقات من علماء الأسانيد.
6- لم يثبت مكان مسجد البيعة بسند صالح والمسجد الموجود الآن يقال إنه مسجد البيعة، إنما هي تخرصات تحتاج إلى دراسة الأسانيد الموصلة إلى صحة هذا القول، وليس هناك إلا بعض الروايات التي لا صحة لسندها، ومن المعلوم أن السند هو الموصل للمتن سواء كان هذا المتن كلاماً أو كان موضعاً لأنه لولا الإسناد الصحيح القوي لقال من شاء ما شاء، ولا يعوّل هنا على الروايات، ومجرد النقل ولو تم هذا لأصبح الناس كلهم محققين وباحثين وكتاباً، لكن ضابط القول فيما يمكن قوله وإثباته هو السند الصحيح المتصل برواية العدول التاميّ الضبط من غير شذوذ ولا علّة قادحة، ومن هذا الباب فإنني أدعو المعنيين كافة بمثل هذا الأشياء بحثاً وتحقيقاً أن يعودوا إلى الأسانيد الصحيحة السليمة التي يقوم عليها المتن بصحة غير ذي عوج أو أن يسألوا ذوي الاختصاص الدقيق ليس هذا فيه شيء فقد ثبت عند علماء الجرح والتعديل وعلماء أحوال الرواة سواء الأكابر للأصاغر والعكس صحيح، وقد كان العلماء منذ أقدم العهود على تجرم القرون يرحلون من الحجاز إلى العراق ومن العراق إلى الحجاز ومن الحجاز إلى مصر ومن اليمن إلى مرو ومن العراق إلى نيسابور ومن الشام إلى أفريقيا وبلاد المشرق يسألون عن حال راوٍ أو حال متن أو حال سند وإذا اشتهر عالم من العلماء ولو كان صغير السن فإنهم يرحلون إليه يسألونه بالدليل والتعليل ويحيطونه بالرعاية والحفظ والدعاء له ويحفظونه من البغي عليه والحسد والتطاول، ذلك حتى يستفاد منه علماً وعقلاً ورواية ودراية خاصة حسد الأقارب إذا كانوا أكبر سناً فإنهم محل تهمه كما هو مدون في كتب الأخبار خلال العصور.
ولا ضير أنني هنا أهيب بإعادة النظر في موضع مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك تاريخ ولادته وقبر علي والحسين وآمنة بنت وهب، ورأس الحسين بمصر،فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ ومثل هذه الأمور تحتاج إلى سعة بطان وطول تأمل وعمق مدارك وسعة نفس طويل وموهبة موهوبة من رب العالمين وإلا فإن كثرة القراءة وكثرة النقولات لا تغني شروى نقير والله جل وعلى أعلم.
- الرياض