حين تقرأ ما دونه أستاذنا الشاعر الأديب المربي عبدالله بن حمد الحقيل في رحلاته تجد نفسك راحلًا معه، رفيقًا لدربه، يهديك إلى المكان بأسلوب شائق، ويطرّز لك حديثه بأبيات من الشعر له أو لغيره بما يناسب الموقف ويبسط لك جانبًا من المشاعر.
لم يكتف الأستاذ في (رحلة إلى اليابان) بوصف زياراته فيها؛ بل ألقى الضوء على جوانب أخرى قد لا يدركها السائح العادي أو الزائر العابر، فهو يحدثنا عن تعلم اليابانيين العربية بفضل جهود المملكة مشيرًا إلى تعاون جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والجامعات والجمعيات اليابانية المعنية بذلك. وهو ينقل لنا حديث د. غوتو أكيرا عن الدراسات العربية والإسلامية في اليابان.
ولأستاذنا (رحلات الحج في عيون الرحّالة وكتابات الأدباء والمؤرخين) يزوي لك فيها 34 رحلة عبر التاريخ وهي رحلات نظرية رحلها في كتب الرحّالة، فهو يبدأ برحلة ابن جبير فابن بطوطة فناصر خسرو، ومن الأدباء الزيات والمازني والعقاد، ومن علماء بلادنا حمد الجاسر، ثم يختم برحلات فعليّة إذ رحل أستاذنا غير مرة إلى الرحاب الطاهرة.
ولما كانت بلادنا حرسها الله من أوسع بلاد المعمورة كانت جديرة مناطقها بالرحلة والزيارة، وفي ذلك كتاب (ذكريات ورحلات في ربوع بلادنا) افتتحه ببيان «أهمية العناية بتاريخ مدننا» لأن «الرحلات رافد ثقافي وتاريخي»، ولأن «أدب الرحلات فن متميز»، ولم يفته أن يكتب عن «الجزيرة العربية في عيون الرحالة»، ثم بدأ رحلاته «أول رحلة إلى الرياض في 1370هـ» ثم توالت موضوعات تناولت رحلاته في مناطق مختلفة من بلادنا غربها وشرقها شمالها وجنوبها فكأنه زار كل بقعة فيها.
ولأستاذنا الحقيل رحلاته (في آفاق التربية وأفياء التعليم) ويسطر في هذا الكتاب جوانب من تجربة المعلم والمربي والإداري الناجح، تحدث فيه عن أمور كثيرة: عن «التعليم وأهدافه» وعن «التربية ودورها في تنمية أنماط السلوك الإنساني»، عن المدرسة وعن المناهج وعن توظيف المكتبة المدرسية. وعن «دور الأسرة في تكوين الأجيال»، عن «الإعلام التربوي وتأثيره»، عن» المرأة ووظيفتها التربوية».
ولم تقتصر رحلات أستاذنا على ربوع بلادنا بل امتدت إلى الوطن العربي فكتب (رحلات ومشاهدات في الوطن العربي والأندلس) وقرن الأندلس بالوطن العربي لما وقَر في نفسه من أنها عربية عمرها العرب ثمانية قرون حتى أخرجوا منها. في هذا الكتاب زيارات لربوع دول الخليج: الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان، ثم حديث عن رحلته إلى اليمن فبلاد الرافدين فالشام ولبنان والأردن وفلسطين، حيث زار المسجد الأقصى وصلى فيه، وسجل زيارته لأرض الكنانة والسودان وتونس والجزائر والمغرب وراح يحدثنا بعد عن أيام في الأندلس زار مكتبة الأوسكوريال وجامع قرطبة وجبل طارق وهي رحلة سيعود إليها في كتاب آخر.
وأما الكتاب فهو (رحلات ومشاهدات سائح في البلاد الأوروبية) وهو كتاب جميل شكله ومضمونه صوره وطباعته، زار فرنسا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا وإيطاليا والنمسا وموناكو وهولندا وبلجيكا واليونان وسلوفاكيا والمجر. وأكثر ما شدني رحلته إلى أسبانيا وهنا سماها باسمها الغربي وكان قد سماها الأندلس في رحلته إلى البلاد العربية، شدّني لأنه ذكرني بنفسي وأنا أزور مع ابنتي مدن الأندلس تلك؛ طليطلة وقرطبة التي حول جامعها إلى كنيسة وكاتدرائيات وكسيت مئذنته ببرج كنسي، إنه مشهد يعصر الفؤاد، وتوقف أستاذنا وقفة خاصة في قصر الحمراء كما توقفنا وتجولنا في جنباته وخيالنا يسرح في أيام خالية كان أجدادنا يملؤونها حياة، قالت لي إحدى ابنتي أراك مكتئبًا حزينًا فلم أزد على هزّ رأسي فلم أكن أقوى على الكلام وغصة أخذت بمجامع حلقي لم تجد لها متنفسًا إلا بعد خلوتي في غرفة الفندق، هناك سمعت أبا البقاء الرندي يقول:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسان
حتى قال:
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
على أني غرقت في موجة بكاء شديدة وأنا أقرأ قصيدة الشاعر المبدع نزار قباني:
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان في حجَريهما
تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ ساءلتها
قالت: وفي غرناطة ميلادي
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة
في تينك العينين.. بعد رقاد
وأمية راياتها مرفوعة
وجيادها موصولة بجياد
ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيدة سمراء من أحفادي
وجه دمشقي رأيت خلاله
أجفان بلقيس وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم وحجرة
كانت بها أمي تمد وسادي
والياسمينة رصعت بنجومها
والبركة الذهبية الإنشاد
ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها
في شعرك المنساب.. نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مخ تزنًا شموس بلادي
في طيب (جنات العريف) ومائها
في الفل، في الريحان، في الكَبّاد
سارت معي.. والشعر يلهث خلفها
كسنابل تركت بغير حصاد
يتألق القرط الطويل بجيدها
مثل الشموع بليلة الميلاد..
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريخ كوم رماد
الزخرفات.. أكاد أسمع نبضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت: هنا (الحمراء) زهو جدودنا
فاقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادها؟ ومسحت جرحًا نازفًا
ومسحت جرحًا ثانيًا بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الذين عنتهمو أجدادي
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلًا يسمى (طارق بن زياد)
- الرياض