وَكَائنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ
زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ
قالت الزّاي: ما أجمل هذا البيت الذي انتقيتَ لحكيم العرب زهير بن أبي سلمى، من معلقته الرائعة في الجاهليةِ الأولى، والتي لا تزال حكمها عن الحرب والنفس البشرية تنطبق على واقع الناس والعالم اليوم الذي يتجه مزهوّا بجهله نحو جاهليةٍ جديدة، وأضافت إن كلام الناس اليوم تنقصه الإجادة، وأبدت امتعاضها من مناداة الناس لها بالزاء، حتى باتت تتجاهلهم ولا ترى في ذلك زللاً أو تعالياً، فما يفعلونه أمر مزعج ونشاز، وقالت إنها قد تتفهم مناداتهم لها بالزين، فهي زينةٌ بالفعل، تعتز بجمالها، ولكنها تفضل مناداتهم لها، وذكرها باسمها الحقيقي الصحيح: الزاي، كما يفعلون مع أخواتها وزميلاتها الحروف.
وأضافت: إنه من العيب، وقلة الاحترام، تسمية الناس والأشياء بغير أسمائها، ومنزلتنا نحن الحروف أعلى من الأشياء الجامدة، فنحن اللغة الحيّة، وأنا متأكدة بأنك ستشعر بشعوري لو نظرت إلى الموضوع من زاويتي!!
وأزيدك من الشعر بيتاً فأنا أستغرب وأسألُ: لماذا يهمل العرب اليوم لغتهم، ولمَ لا يرجعون لمعاجمهم للتحقق، ولو فعلوا لوجدوا تعريفي في كل المعاجم، ومنها اللسان، لسان العرب:
« الزاي من الحروف المجهورة، والزاي والسين والصاد في حيز واحد، وهي الحروف الأسلية؛ لأن مبدأها من أسلة اللسان. قال الأزهري: لا تأتلف الصاد مع السين ولا مع الزاي في شيء من كلام العرب.».
ضعفُ اللغةِ لدى الناسِ يا محمد دليلٌ على ضعف الأمة!!
قلتُ لها يا سيدتي الزاكية لا عليك، فأنت محفوظةٌ في القرآن الكريم، وفي صدور المؤمنين:
ها أنتِ في القرآن في الزلزلة، ونحن نعرف زلازل الأرض التي تحدث بسبب الانزياحات والاهتزازات الأرضية، والانزلاقات التي تحرك الصفائح داخل الأرض وتحت المحيطات، فتسبب الارتدادات العاتية لأمواج المحيطات كتسونامي الشهير، ونعلم ما تزرعه الزلازل وانعكاساتها من دمار يفوق زحف جيوش الغزاة وما يتركونه من خراب، فكيف بزلزلة القيامة: ( إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) (1)، وفي فعل الشيطان من فزٍّ وأزّ في سورة مريم ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) (83) وشياطينُ الإنس من مثيري الفتن والحروب اليوم أكثرُ أزّاً وفزّاً، وفي السجدة في الجرز الجرداء اليابسة التي لا نبت فيها كحال بعض أوطاننا اليوم (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) (27)، وفي التجاوز في الأحقاف (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (16)، وفي التجهيز في يوسف: (فلما جهّزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذّن مؤذّن أيتها العير إنكم لسارقون)( 70).
لكن ظهورك الباهر الزاهر يتجلى في سورة الزّمَر، {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (2) ثم نجدها على هذا التوالي عبر الآيات: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، {أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}، {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (21)، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (48)، {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}(52)، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (61)، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}، {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (73).
وكذلك يا سيدتي أنت سيدةٌ في الشعر، ومن كنوز الشعر العربي قصيدة نالت على يدها، وهذا الجمال ليزيد بن معاوية بن أبي سفيان:
سَألْتُها الوصل قالتْ: لا تَغُرَّ بِنا
من رامَ منا وصالاً ماتَ بالكمدِ
فَكَم قَتِيلٍ لَنا بالحبِ ماتَ جَوَىً
من الغرامِ، ولمْ يُبْدِئْ ولم يُعدِ
فقلتُ أستغفرُ الرحمنَ مِنْ زَلَلٍ
إنّ المحبَّ قليلُ الصبرِ والجلدِ.
ونجدك في قصيدة كعب بن زهير (البردة) في مدح الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وقد كان حكيماً كوالده:
كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِنْ طالَتْ سَلامَتُهُ
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ محمولُ
حين يصف حبيبته التي خلدها رغم بينها سعاد:
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا
إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
هَيفاءُ مُقبِلَةً عَجزاءُ مُدبِرَةً
لا يُشتَكى قِصَرٌ مِنها وَلا طولُ
ومنزلتك يا سيدتي لدينا كمنزلة الحب العليا لدى بهاء الدين زهير:
جَزَى الله عَنّي الحُبَّ خَيراً فإنّهُ
به ازدادَ مجدي في الأنامِ وعليائي
فضحكت على خجلٍ، وزال عن محيّاها الوجوم.
- الرياض
mjharbi@hotmail.com