(مجيء الطريفي إلى وزارة الثقافة والإعلام السعودية، وهو الذي يقول: إن الدول العربية وغيرها.. تفشل لأسباب متعددة ومتداخلة.. وفي الوقت نفسه معقدة تشمل الجوانب الثقافية والتاريخية والاقتصادية يعد بداية لمرحلة تطوير إن لم تكن هدما ثم إعادة بناء).
استهلُ صوتي إلى وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي بالمُستلّ أعلاه مابين علامتي التنصيص.. من بروفايل مهني سكّه الصحافي المتفرد اللمّاح عبدالله آل هيضة في «العرب» اللندنية بعد أن حمل الوزير الطريفي حقيبة وزارية بجناحين خاملين؛ الثقافة والإعلام.. وهنا سأمضي إلى ركام الثقافة.. تاركاً بؤس الإعلام إلى زملاء هم ومهمة ومهنة آخرين.. وربما عدت.. غير أن جملة الختام في المستل التي تؤشر إلى مرحلة تطوير مرتقبة مع الوزير الطريف أو هدم ثم بناء، هي بيت القصيد المرّ المستطاب.. رافعاً القبعة والشماغ والعقال أيضاً.. اعترافاً وتقديراً وإشادة بكل ما أنجز في حقل الثقافة وفي مختلف عهود مسؤوليها السابقين واللاحقين.. فلهم الشكر والود أولاً وثانياً وثالثاً.. حقاً مستحقاً لا فضل ولا منّة لأحد في أدائه لهم.
وزيرنا الذي لم نره بعد!
100 يوم -تزيد أو تنقص قليلاً- والوزير الطريفي يتأبط الصمت ولا غرابة.. فلربما وجد الفاجعة أجلّ من مساحة صوت يملؤها بباهت التصريحات المسبوقة بـ(سوف) المستقبل.. مع التسليم بأن الحقل كاملاً قائم على وظيفة فعل الكلام.. وإلا فماذا عساه أن يكون الإعلام.. ومع هذا نتفهم أن تستأثر مهام رجالات الدولة وخاصة المهام السياسية الخارجية لمن خاضوا غمارها أمثال الوزير الطريفي.. بوقت وجهد واسعين إضافة لمهام الوزارة.. ويبقى نبض الأجداد.. الدافع نحو أمل سيأتي بما نشتهي.. حين يرسلون أنظارهم إلى ما خلف جدار الأفق وهم يرددون.. (ما ابطى بالسيل إلا كبره) كقروي شهم يرقب ماء السماء ليروي حقله النبيل الذي كسر ظهره الظمأ.
جناح الثقافة..
التشكل والفضاء الملبد بالغبار
كانت الولادة حين صدر قرار ضم عدد من الأجهزة الثقافية إلى وزارة الإعلام على أن يُعدل مسمى الوزارة ليصبح «وزارة الثقافة والإعلام».. من حينها والمشهد كاملاً لا يعرف سوى فرحة تلك الولادة.. أما منجزات التأسيس والانطلاق الحقيقي الخلاّق.. فبقيت في مدار الحلم الذي يعد قاسماً مشتركاً يسكن أرواح المثقفين ويؤثث إنتاجهم ومنجزاتهم.
كأن فكر المأسسة تحجّر عند المسمى فقط.. دون أن تتشكل الرؤى وتتخلّق الآليات والتشريعات والتنظيمات.. كل ما تم يُلخص في ضم نشاطات ثقافية من عدة جهات مثل الأندية الأدبية من الرئاسة العامة لرعاية الشباب.. ومعرض الرياض الدولي للكتاب من وزارة التعليم العالي سابقاً.. والمكتبات العامة من وزارة المعارف سابقاً.
ووفق موقع وكالة الشئون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام.. تنهض الوكالة عبر عدد من الإدارات العامة؛ الإدارة العامة للنشاطات الثقافية.. والإدارة العامة للمكتبات.. والإدارة العامة للتراث والفنون الشعبية.. والإدارة العامة للإعلام والنشر.. والإدارة العامة للأندية الأدبية. وبنظرة عامة يظهر غياب حجرات قلب الثقافة الأربع عن الواقع الثقافي جملة وتفصيلاً -وهنا أعني غياب الفعل الملموس والمحسوس الذي يدركه الجميع ولا ينكره أحد- عدا حجرة الأندية الأدبية التي ستخصص لها مساحة مناسبة من هذه القراءة.
«حوسة» الأندية الأدبية
حجرة الأندية الأدبية في قلب الثقافة الضعيف.. مليئة بصراخ الجميع -مسؤولين ومثقفين- لدرجة بات عندها مجرد الاستماع إلى ذلك العويل مضيعة للوقت.. وكأن فكر الإدارة عجز عن أن ينظم من يفترض أن يكونوا أقرب الخلق إلى التنظيم سيما وأنهم فئة المثقفين التقدميين. فمن فجر بزغ باكراً بالانتخابات إلى تعيين «تأبّدت» عبره الوجوه.. إلى انتخابات عرجاء تالياً.. ثم مضى الحال من لائحة إلى لائحة.. ما بين تمديد إلى تجديد.. وآخراً وليس أخيراً في مسلسل «حوسة» الأندية الأدبية شكاوى ودعاوى واتهامات وتراشقات ومحاكم.. حتى لم يعد أحد يعرف أحداً بمقدوره الحديث عنها بإلمام شامل.. الذي أعرفه أن الأندية الأدبية أصبحت منطقة تثير «التوتر» حتى وهي جملة في حديث عابر لأي أحد.
جمعية الثقافة والفنون..
يتيمٌ كريم رغم الفاقة
حال جمعية الثقافة والفنون ليس بأحسن من «حوسة» الأندية الأدبية.. الفارق أنها تكافح بعصامية «رغم التقشف» وضيق ذات اليد أيضاً.. لتصنع شيئاً جميلاً على خشبة مسرح أو عبر مرسم فنان تشكيلي وقليلاً من «نغم خائف» يرعبه صراخ الأوصياء.. يضاف إلى هذه الأسرة الوادعة فرق الفلكوريات الشعبية.
ويبقى الفقر عنواناً عريضاً لأسرة الجمال في مختلف مناطق المملكة.. تشاهده كلما مررت بفرع من فروعها.. الغريب أن اتصالها بالناس والجهات يفوق الأندية الأدبية التي لا يعرفها سوى قلة القلة.. جمعية الثقافة والفنون هي أيضاً لم توفق إلى انتشال نفسها حتى حين كان رئيسها في إحدى الفترات بمرتبة «وزير».. القاسم المشترك بين رؤسائها جميعاً هو الوعود التي يخرج المتابع منها بـ(الله كريم).
الجمعيات المتخصصة..
(إعلان عن مفقود)
الجمعيات المتخصصة هي تكوينات أشهرت في عهد وكيل الثقافة الأسبق الدكتور عبدالعزيز السبيل مثل جميعة الفوتوغرافيين وجمعية المسرحيين وجمعية التشكيليين.. ابتهج الناس بها كما لم يبتهجوا من قبل.. قيل إنها شكل حضاري برّاق يبلور ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني... إلخ.. من ذلك الحين وهي مفقودة وعلى من يجدها الاتصال بذويها..
أذكر فيما أذكر أن غسيل بعضها ملأ الصحف.. مجالس إدارة لم يتفقوا وجمعية عمومية لم تكتمل وسخط عام من الجميع.. وتشكي مفزع من عدم الدعم وعدم وجود مقرات وعدم وجود نظام أصلاً.
معرض الكتاب..
الأعلى مبيعاً فقط ولا فضل لأحد
منذ أن تلامس أذنك جملة «معرض الرياض الدولي للكتاب» عليك أن تستعد لسماع هذه العبارة بألف طريقة: (الأعلى من حيث المبيعات).. وكأن هذه المعجزة لم تكن لولا جهودهم.. مع العلم أنها نتيجة طبيعية أفرزها المجتمع تبعاً لظروف اقتصادية متعافية ولله الحمد.. لكن حين توجه دفة الحوار إلى شكل التنظيم وغياب فكر الاستثمار والتطوير الحقيقي ستجد سيل المبررات ينهمر بطريقة تبرهن على فداحة الترهل فضلاً عن أن تدفع التهمة أصلاً.
برنامج ثقافي لم يرض عنه المتابع منذ أن انتقل المعرض إلى وزارة الثقافة والإعلام من وزارة التعليم العالي سابقاً.. تذمر مستمر من سوء التنسيق مع الناشر الخارجي والداخلي ليس أحسن حالاً منه.. تجاوزات وتدخلات تتعلق بحريات الناس من بعض الفئات.. عدم تقبل إدارة المعرض لخطوة الاستثمار وقبول الرعايات المعمول بها في مختلف أجهزة ونشاطات الدولة.. وبالتالي تطوير المعرض تطويراً شاملاً يليق بمكانة المملكة ويليق بالقارئ الذي جعل منه الأعلى من حيث حجم المبيعات.. حتى هذه المعجزة لا تستطيع إدارة المعرض الجزم بها لأنها في حقيقة الأمر مجرد تخرصات.
نثريات حول وكالة الثقافة
حتى بعد أن تشكلت وكالة الوزارة للشئون الثقافية بقيت نشاطات ومهما ثقافية أخرى لدى جهات أخرى مثل الملاحق الثقافية في السفارات وكذلك المشاركات في معرض الكتاب الخارجية التي لا تزال في جزء منها تابعة لوزارة التعليم «التعليم العالي سابقاً».. ومثل المهرجانات الكبرى «الجنادرية وسوق عكاظ».. والسؤال كيف يمكن أن تتم معالجة مثل هذه الاتجاهات سيما والوطن يعيش مرحلة تصحيح شاملة دشنها الملك سلمان يحفظه الله..
أيضاً هناك أقاويل عن ضعف الميزانية المخصصة للوكالة ما يجعلها أمام حالة من العجز عن النهوض بما ينتظر منها.. الأهم من هذا حالة الضبابية في العلاقة التي تربط الوكالة بالمؤسسات التابعة لها.. هل هي إشرافية وما هي حدود هذا الإشراف وما شكله؟.. أم أنها توجيهية؟.
كذلك دور الوكالة في معالجة حالات المثقفين اقتصادياً وصحياً.. أذكر أن هناك مطالبات بتأسيس إدارة تعنى بشئون المثقفين ممن يحتاج إلى متابعة علاجية خاصة وكذلك من يمر بظروف اقتصادية معينة ونحوها.. إذ من الممكن أن تشكل لجنة أو إدارة خاصة بهذا الشأن تدرس وتقرر ما يحفظ قيمة المثقف واعتباره ومكانته في مثل تلك الظروف.
هناك أيضاً ما يتصل بدعوات المثقفين للمناسبات الثقافية المختلفة وكذلك التمثيل الثقافي خارجياً.. إذ يشتكي المثقفون من عدم الإنصاف والميل إلى العلاقات الشخصية في ظل غياب آلية واضحة ومحددة تضبط هذا المجال.
أخيراً لا نزال نبحث عن إستراتيجية التنمية الثقافية التي أعلنتها الوزارة قبل نحو خمسة أعوام.
محاولة للحل
ستجود العقول بالأفكار والرؤى والمقترحات.. المهم هل من مستجيب؟..
أحد الحلول التي لا يتجرأ أحد أن ينسبها إلى عقله فقط.. يتمثل في تكوين مظلة شاملة تضم مختلف مؤسسات الثقافة وأنشطتها وفروعها تحت مسمى (مراكز الثقافة والفنون مثلاً) تحوي المسرح ومراسم الفن التشكيلي وتفريعاته والمكتبات العامة وفنون التصوير والموسيقى الفلكلوريات وتكوينات الأدب وما استجد من فنون أدائية وثقافية لمهارات يتقنها جيل اليوم ويحتاجها ويبتهج به ويؤثر ويتأثر من خلالها.. وذلك بميزانيات يحكمها حجم نشاط كل مركز.. وبآليات واضحة ومحددة وصريحة.
في تقديري هذه الخطوة هي الإجراء الأول الذي سيمهد لتطوير الثقافة مع الوزير الطريفي أو الهدم وإعادة البناء الذي أشار إليه الزميل آل هيضة في المستلّ أعلاه.
- سكرتير التحرير للشئون الثقافية بصحيفة الجزيرة