خلال خمس سنوات قال خمسة موظفين في وزارة الثقافة والإعلام إنهم استقالوا تباعاً من منصب مدير عام الأندية الأدبية، وهي لم تعلّق على ما صرّح به موظفوها الذين يشغلون مراتب عليا تخضع لأنظمة الخدمة المدنية والجهات الرقابية، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية التخطيط الثقافي، ومراقبة الأندية، وتحسين فعلها ونشاطها لأنها تتبع الوزارة إدارياً ومالياً، وتتحكم في صياغة اللوائح، والتعيين وآلياته أيضاً.
بعض الهاربين من الكرسي، أو المتصارعين مع من يكبرهم في المناصب والمسؤولية، أو من تعطلت خططهم ونواياهم لم يكتف بإعلان «الاستقالة» بل تبعها باتهامات صريحة ومبطنة للوزارة و»العاملين الكبار» فيها مثل الذي قاله آخر المديرين «المستقيلين» صراحة «إن المناخ العملي لا يتيح لي ما كنت أسعى لتحقيقه»، وكتبت صحيفة الوطن إن مدير الأندية الأدبية «المستقيل» أسرّ لبعض أصدقائه «أنه عجز عن مقابلة مسؤولين في الوزارة لمناقشة اللائحة الجديدة، وإنه غاضب من إعادة إدارة الأندية الأدبية إلى وكالة الوزارة»!.
إدارة الأندية انفصلت قبل سبعة أشهر بشكل خاطئ عن وكالة الوزارة ظناً من الوزير الأسبق أن الانفصال، أو الفصل الحل فألحقها به شخصياً، والحلول لا تلتمس بهذه الطريقة التي تخل بالأنظمة الإدارية والمالية، وتفكك الترتيب القيادي مهما كان رأس الهرم غير قادر على صناعة الانسجام أو حسن الإدارة فالخطأ لا يعالج بالأخطاء، كما أظن.
لا أعرف لماذا يتعالى الصخب، وتتطاير التصريحات والاتهامات دون أن تحرّك الوزارة ساكناً وتقول أين يكمن الخلل، ومن المسؤول عن الحراك المعلن والخفي، وعلى عاتق من تقع مسؤولية هذه المسرحية الهزلية المضحكة بكل المقاييس، وهل الأندية الأدبية قضية شائكة ومعقدة تحوم الرؤوس حولها دون القدرة على صناعة المخارج واللوائح وإدارة الانتخابات بشكل عقلاني ومدني يرضي كل الأطراف، وهل توجد أطراف خفية حقاً تتدخل في صياغة العمل وأبجديات التخطيط وتعيق ما يمكن تسميته «الحلول المثلى» لإرضاء المثقفين؟، وهذا يفهم بشكل ضمني من تصريحات بعض المستقيلين، ولا أؤمن به لأنني على يقين بأن الوزارة قطاع رسمي ولها السلطة على صياغة أهدافها واستراتيجياتها ومراقبة قطاعاتها، ومن غير اللائق أن يقول البعض إنها بيئة غير صالحة للعمل، أو تقف حجرة عثرة ضد الأفكار البناءة لأن العاملين في الوزارة شركاء في المشهد، و»يتقاسمون الكعكة» مهما كانت مخالفة للمعايير أو منتهية الصلاحية، وإن وصلت إلى هذا المستوى فإن من واجب الجهات الرقابية التحرك للمراقبة وحل الأزمات وإنقاذ المشهد من هاوية يجري نحوها.
الأندية الأدبية وكثير من المؤسسات الثقافية يديرها متعاونون «غير رسميين» وظن البعض أن مدير عام الأندية الأدبية ووكيل الوزارة للشؤون الثقافية مثلهم، وهذا غير صحيح، وعلى جميع العاملين الرسميين في الوزارة تحمل مسؤولياتهم المشتركة تجاه الساحة أو تركها دون تنصل وهمي من المسؤولية تحت ما يسمى استقالات من موظفين قبلوا العمل في الوزارة، ويتقاضون رواتبهم منها، ويحتلون رتباً إدارية عليا!.
في ظل هذه الصراعات وغبار المعارك الكبرى والعابرة يبدو المشهد بحاجة إلى تأسيس مجلس أعلى للثقافة، أو هيئة لمراجعة العمل الثقافي ومراقبة الصراعات التي حولت الساحة إلى مادة خصبة تصنع العناوين الصحفية الصفراء يرافقها هدر للطاقات والميزانيات التي تذهب هباء في الأندية، وبعض المراكز الثقافية الحديثة، وجمعيات الثقافة والفنون، والمكتبات العامة.. فإلى متى يتصارع أبناء وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، ولماذا يخيبون آمالنا فيهم؟!
محمد المنقري - جدة