منذ طرحت كتابي النقد الثقافي عام 2000 وأنا أتلقى تساؤلات القراء وحيرتهم حول مصطلح (النسق، والنسقية) وكنت أحيلهم حينا للفصل الثاني من الكتاب حيث فيه بسط للنظرية وللمنهج يوضحان المصطلح ويغوصان في تشابكاته، ولكني دوما أجد الحيرة تلازم من يسألني حتى ليقول بعضهم إنه قرأ الكتاب ومازال لم يفهم، وظل السؤال يلاحقني لسنوات وتعزز السؤال حين دخلت لتويتر حيث ظل السؤال يأتي باطراد متصل، ولم تك ظروف تويتر تسمح بالإطالة والشرح، وكنت أحاول رد الناس للكتاب ولكني أحسست أن الإحالات قد توحي بالتعالي وقد تصل لحد قلة الذوق مع السائل، وكنت أعذر لنفسي بأن هذا مبحث علمي وعلى السائل فيه أن يتحمل مغبة البحث، غير أن كثرة الأسئلة أخذت مني مأخذها وصرت أتهذب معها وأتدرب على التعامل حسب ظرف السائل والسؤال، ولذا لجأت لمحاولات التبسيط والتقريب وصرت أقول لهم إن النسق في الثقافة مثل الفيروس في الجسد، خفي وقاتل، وعنده القدرة على التبدل والتنوع والاحتيال لكي يظل يفتك بالجسد، وهذه كلها صفات الأنساق الثقافية كالعنصرية والطائفية والدكتاتورية والفحولية، وكلها فيروسات ثقافية قاتلة، وهي تحتلنا وإن كنا ندعي أنها ليست فينا، ولها قدرة على إضمار نفسها والتخفي تحت صيغ مضمرة تفتك في رؤانا وليس لنا إلا محاولة كشفها وتعريتها من باب تسمية المرض باسمه كما يفعل الطبيب.
ظللت أستخدم هذا الاختصار وظلت الأسئلة تأتي، فترة بعد فترة، وتويتر لا ترحم، وفي آخر محاولة مني للتبسيط قلت (النسق كلمة في وصف الفكرة حين تترسخ وتكون أقوى من العقل، مثل تفضيل الولد على البنت أو الأبيض على الأسود) وكم سعدت إذ وجد المتابعون راحة في تقبل هذا التعريف وبعضهم لامني كيف لم أقله من زمن.
هذا هو وصف أولي وسريع ولكنه سيكون من باب (نهاية المقتصد وبداية المجتهد) حسب مقولة ابن رشد، ومن أراد البحث العلمي فلا غنى له عن العودة للنظرية والمنهج في موقعهما، ولكني هنا أشيد بتويتر وكيف تهذبنا وتهذب لغتنا وتساعدنا على تحسين أدائنا الظرفي والتداولي.