كانت العبارة اللافتة في الثقافة الحرة أنها (كشفُ المستور)، فيعني هذا أن ثمة حقائق ستظهر في هذا الطرح غير المسبوق. قلتُ (كانت) أما الآن فقد انعكست الأمور التي لا نزال نحسبها ثقافة حرة، فبات (سترُ المكشوف) هو اللافت!
في مصر ظهرت رواية لكاتب شاب اسمه عمر فؤاد تتحدث بطرق ملتوية تستر أكثر مما تكشف حول حالات يسمونها (الماستر والسليف) أو (السيد والعبد) في العلاقات العاطفية - ولن أقول الجنسية - الناجمة عن كبت بوحيّ لدى بعض البشر لم يجد له متنفساً إلا من خلال العالم الافتراضي (الإنترنت)، فظهرت تلك الحالات مع ظهور المواقع الإلكترونية - التي باتت تقليدية! - بداية، من خلال الرسائل الخاصة، ثم (الشات) ودردشاته، ثم استفحلت معلنة عن شذوذها - المفتعل - عبر صفحات التواصل الاجتماعي الحديثة.
تلك الرواية، الصادرة مؤخراً عن دار كلمات عربية في القاهرة، كما قلتُ آنفاً، تستر المكشوف حول هذه الحالات، ومع ذلك أعدّها الوسطُ الإعلاميُّ هناك رواية جريئة أكثر من اللازم (وربما قصدوا بذلك الجرأة اللازمة لكشف المستور فقد تجاوزتها إلى ستر المكشوف) وبالتالي فقد أثارت المجتمع!
وفي معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، أعلنت إدارة المعرض - فجأة - قبل الافتتاح بأيَّام قليلة عن استضافة سلمان رشدي ليلقي كلمة في حفل افتتاح المعرض. وطبعاً أعلنت إيران فوراً احتجاجها على استضافة هذا الكافر - عدوّ الله - المستهزئ بالقرآن الكريم لتظهر على العالم أنها الدولة المسلمة الوحيدة المدافعة عن كلام الله. هل ظل أحد في العالم لم يدرك بعد كم هي سطحية وضعيفة تلك المسماة (آيات شيطانية) التي جعلت من سلمان رشدي - ببركة فتوى الخميني ومن جاء بعده في إيران - أشهر كاتب وأشهر كافر وأشهر مطارد ومطلوب على مستوى الكرة الأرضية؛ وبالتالي أصبح الرقم الأعلى في قائمة المثقفين الدوليين!
باتت تلك الأوراق مكشوفة مع انكشاف كل شيء عبر الوسائل الإعلامية الإلكترونية، ومع ذلك تبادر الدول التي لا نزال نحسبها متطوّرة ومتحررة إلى إعادة الكرّة بستر هزالها وضعفها بغطاء من الهالة الإعلامية الرسمية في استضافة الكاتب الشهير!
سترُ المكشوف.. لم يعد أمراً يتداول كورقة لعب رابحة في الأوساط الثقافية وحسب، بل في كل المجالات طالما هناك وسائل إعلامية تريد سجالاً مدفوع الأجر لمصلحة أطراف متعددة تشارك في اللعبة نفسها.. سياسية كانت أو مذهبية.. اقتصادية كانت أو دينية. هل ندرك الفرق جيداً بين السياسة والاقتصاد كما ندرك الفرق بين الدين والمذهب؟؟
عندنا.. في بيت الله الحرام بمكة المكرمة، وفي مشعر منى، أثناء موسم الحج الأخير، في حادثتيْ (سقوط الرافعة في الحرم) و(تدافع منى) كان كل شيء مصوراً ومكشوفاً للدولة والناس فيها وفي الدول كافة، ومع ذلك ظهرت وتظهر تحليلات وآراء تستر ما انكشف من خلل أصدرت بشأنه الدولة أوامرها - اللازمة والملتزمة - بالتحقيق فيه. هل نقول إذاً: باتت الطليعة للمعلقين الظلاميين بعد أن كانت للمثقفين التنويريين؟
أو: هل نقول بمثلين آخرين أنهما قد انعكسا تضاداً.. فقد أصبحت البطولة المعرفية لمن يحاول حجب الشمس بغربال بعد أن كانت لمن يشعل في الظلام شمعة!
ربما لو فكرنا في المعادلة كما يفكر الذين قلبوها لوجدنا لهم عذراً: كان كشفُ المستور هو العمل الاستثنائيّ في زمن كان فيه كل شيء مستوراً، أما في زمن انكشاف كل الأشياء فاختلاق سواتر لها مهما تكن غير حقيقية فهي تأخذك إلى أدوار استثنائية بشكل أو بآخر.!
ختاماً: كان يجب أن أوضح - بداية - بأن العنوان ليس جديداً، فقد ظهر مصطلح (ستر المكشوف) مع ظهور الوسائل السريعة لنقل الصوت والصورة والحروف من كل الناس لكل الناس؛ غير أنني حاولتُ أن أجرّبه الآن وفشلتُ لسبب بسيط.. يعرفه كلّ صاحب مبدأ.
الكويت - ffnff69@hotmail.com