«ليست للنشر لأنها كتبت خاصة لك ..
مضت سنة ... مضت سنة ...
مضى من عمري وعمرك سنة، وما زلت أقف ككل سنة أجمع حطبًا من أفراحها يدفئني في زمن الجليد ... ألصق صوري بالأبيض والأسود كأفلام الزمن الجميل.
وأضم عبيرًا من عطور عتيقة غطاها غبار الهجران... أجتر صوتًا لنغمات ضحكاتهم وهمساتهم... وأتخيل رائحة قهوة عربية مزعفرة رائحتها كرائحة حضن جدّي سليمان... وهناك بيالات الشاي المخدّر تطفو وريقات من نعناع فيه بسلام... رغم كل شيء ما زلت أراعي عادتي السنوية بتنسيق الثمانية والعشرون حرفًا ككل سنة لأهديك باقة من أكاليل الحب مصوغًا ببريق كلماتي المذهّبة... هي بضاعتي الكلمات وبيع الحروف... لم يبق والله فيها دم يجري ولا عرق ينبض... أعلم أنها ميته وأعلم أن لا طعم فيها؛ ولكنها ككل سنة تطلّ عليك بأي شكل كان... كطفلة قروية لم يفسد تبعثر الحناء على ثوبها فرحة لقاء العيد... اعذرني على تقصيري واعذرني على قسوة هجري؛ ولكنني والله لم ولن انساك مهما حصل.. سرقت الأيام ملامح رضا وفرح كانت تسكن في وجوهنا وأبدلتها بشعيرات بيضاء تسكن مفارق رؤوسنا وتعرجات حمقاء تشق طريقًا متجعدًا تحت أجفاننا... كل ذلك وما زلت لا ألاحظ السارق ولا المسروق؛ لأن العمر يجري بسرعة وسرقني بسرعة... أدام الله أفراحك وأبعدك عن الحزن وجعل سنتك القادمة خيرًا وبركة وزادك صحة وعافية وأبعد عنك لوعة الخيبات والعثرات... حروف خاصه لك من الحنان... 1436 ذو الحجة».
ليس هذا النص مقتطعًا من رواية إبداعية أحكم كاتبها نسجها بل هي رسالة جاءت في (الوثاب WhatsApp) فاجأتني بها حنان ابنة أختي العزيزتين تهنئة بمقدم العام الهجري الجديد، وبقدر فرحي بهذه الرسالة التي جاءت لتنتشلني من خضم أعمال غرقت في خضمها، فرحت بها حتى بكيت تأثرًا من صدق لهجتها ولإعادتها الذهن إلى الزمن المسروق حين كان بيت من الطين يموج بجيش من الأطفال الفرحين بلقائهم وتحلقهم حول جدهم والدي سليمان رحمه الله وبيده كيس عامر بالحلوى ومكعبات بسكوت (أبو ميزان) أو هم جلوس بين يديه يصغون بشغف إلى حكايات عييارة مصر أو قصة يوسف عليه السلام.
تلقيت هذه الرسالة التي أثرت في نفسي كثيرًا فأجبت على نحو مرتجل فقلت:
«الله الله، أشعر هذا أم سحر؟ لم أقرأ من قبل أجمل من هذه العبارات النابضة بالحياة، ولولا مقتضيات المحبّة ولوازم الوفاء بالردّ لاستسلمت للحياء الذي يلفّني وأنا في عجز عن مجاراة هذا البيان والجمال. ويعلم الله أنك كنت طوال أيام في ذهني أريد سماع صوتك؛ ولكنها مقتحِمات الحياة تتكالب عليّ وتتنازعني فلا أدري ما ألبي وأي شيء هو أولى من غيره بالمباشرة. لست أملك سوى شكرك من القلب لهذه الهدية الثمينة والتحفة الرائعة. وإن تأذني نشرتها على الملأ ليقرأوا آية من البيان الفاتن. كل عام وأنت بخير ورضا».
وإني أنشر الرسالتين ليقرأها من تعوّد قراءة هذه الزاوية على تواضع زادها وجفاء مضامينها لعله يجد في هذه السطور كسر رتابة سابقة ويدفع ملل الحديث الجاد في أمر اللغة ومشكلاتها ليكون أنشط إلى معاودة القراءة والصبر عليها.
- الرياض