جمعه ورتبه وعلق عليه: أ.د. أحمد بن محمد الضبيب
المعجم من إصدار كرسي الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن ناصر المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود بالرياض. ويحمل الرقم (20) من إصدارات المركز.
صدرت طبعته الأولى هذا العام 1436هـ- 2015م، ويتكون من ثمانية أجزاء من القطع الكبير، والثامن خصص للكشافات (الفهارس).
وموضوع المعجم - كما يفصح عنه عنوانه - رصد ما صدر في المملكة العربية السعودية من كتب التراث العربي ووصفه، منذ أن أنشئت أول مطبعة عربية في مكة المكرمة عام 1300هـ إلى نهاية عام 1434هـ؛ فالمعجم مقصور على تدوين كتب التراث دون غيرها التي طبعت في المملكة. وبهذا التحديد فهو ينفرد بخصوصية في الموضوع والغاية.
عقد المؤلف المعجم في عشرة أبواب، استوعبتها الأجزاء السبعة، وتضمن كل باب فصولاً، كل فصل تندرج تحته الكتب التي تمثل التخصص الدقيق في الباب، مثل دواوين الشعر أو المجموعات الشعرية، أو شعر القبائل بالنسبة للأدب، والسير والتراجم بالنسبة للتاريخ. وعنوانات الأبواب وردت كما يأتي:
الباب الأول: كتب علوم القرآن.
الباب الثاني: كتب علوم الحديث النبوي الشريف.
الباب الثالث: كتب العقيدة.
الباب الرابع: كتب الفقه وأصوله.
الباب الخامس: كتب اللغة والنحو والعروض.
الباب السادس: كتب الأدب.
الباب السابع: كتب البلاغة والنقد الأدبي.
الباب الثامن: كتب التاريخ والسير والتراجم.
الباب التاسع: كتب الجغرافية والرحلات.
الباب العاشر: علوم متفرقة. وهو أقصر الأبواب.
رتب المؤلف مواد كل باب على الاسم الذي اشتهر به المؤلفون دون المحققين، وعرفوا به من لقب أو كنية، واستقل كل باب بترتيبه وعدد صفحاته.
لم يقتصر المؤلف على كتب التراث التي حققها سعوديون، وطبعت في المملكة، بل أضاف إليه كتب التراث التي حققوها ونشرت خارج المملكة مثل مصر ولبنان، وضم إليها أيضاً ما حققه غير السعوديين، ونشر في المملكة. وجميعها تمثل إسهام المملكة ومشاركتها في بعث التراث العربي وتحقيقه ونشره. وهو إسهام ما كنت أتصور أن المملكة نهضت بهذا القدر منه قبل أن أطلع على المعجم؛ لسبب يسير، وهو أن عنايتنا بتحقيق كتب التراث أتت متأخرة عنها في مصر والشام والعراق، وكانت هذه البلدان سبق أن تلقت التجربة ناضجة من المستشرقين بعد أن أحكموا منهج التحقيق في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين التي شهدت بواكير تحقيق التراث في العالم العربي على يد أحمد تيمور باشا، وأحمد زكي باشا (شيخ العروبة)، ومحمد بن أبي شنب من الجزائر، وحسن حسني عبد الوهاب من تونس وغيرهم من متقدمي المحققين العرب.
تضمن المعجم وصف 2984 كتاباً من كتب التراث، ويسر لجمهرة غفيرة من الباحثين والدارسين والعلماء والأدباء، وهواة القراءة من الاطلاع عليها والإفادة منها.
سلك المؤلف في إعداد المعجم منهجاً دقيقاً شاملاً مضنياً؛ فلم يكتف بذكر عنوان الكتاب، واسم المؤلف وعصره بالدلالة على عام وفاته، واسم المحقق، بل أضاف إلى ذلك إثبات رقم الطبعة، وبلد النشر، والناشر، وتاريخ النشر، والطبعات السابقة للكتاب أو الرسالة إن وجدت. وتجاوز ذلك إلى تقديم معلومات وافية عن النسخ الخطية التي اعتمد عليها المحقق، فيذكر المكتبة التي تحتفظ بأصل المخطوط، ورقمها، وإذا كان لها صورة أو صور دلّ على مكانها ورقمها، ويدون اسم الناسخ، وتاريخ النسخ، وإن لم يوجدا ذَكَرَ ذلك، ويشير إلى ما يسبق النص المحقق من تصدير، أو تقديم، أو مقدمة، أو تمهيد، أو دراسة تحت عنوان (السوابق)، وما يلحق التحقيق من حواش وجداول وملاحق وفهارس، وتلخيص بالعربية وغيرها تحت عنوان (اللواحق)، وما وجه إلى العمل من ملحوظات أو نقدٍ، أو استدراكٍ إن وجد ذلك. ويدل على وسيلة النشر ومكانها وزمانها، وإذا كان منشوراً من قبل أو بعد وضَّح ذلك.
أفادني المعجم بنشر نقد واستدراك نشرا في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، موجهين إلى عملين تراثيين لي، نشر أحدهما معهد المخطوطات العربية في القاهرة، والآخر نشرته مجلة (العرب) في الرياض.
لم يقصر المؤلف معجمه على كتب التراث المحققة القائم نشرها على الأصول الخطية، بل تعدى ذلك إلى تدوين الإصدارات التي عُنيت بجمع الشعر العربي القديم وتوثيقه من المصادر، كشعر الشعراء الذين فقدت دواوينهم، أو ليس لهم دواوين، وشعر القبائل. ومعظم هذه الأعمال وبعض الرسائل التراثية القصيرة تنشر عادة في الدوريات والمجلات المحكمة، والقليل منها يحول إلى كتب مستقلة. وتصنيفها من وسائل نشرها الأولى يمثل صعوبة مضاعفة. والمعجم طويل ضخم بأجزائه السبعة، غير أن المؤلف يسر الاطلاع على محتوياته بتخصيص الجزء الثامن للكشافات، وعددها خمسة:
1 ـ كشاف المؤلفين.
2 ـ كشاف المؤلفات (الكتب والرسائل ونحوها).
3 ـ كشاف ا لنساخ.
4 ـ كشاف المحققين ومن في حكمهم.
5 ـ كشاف المجلات العلمية. بلغ عددها خمسين مجلة، كلها مجلات عربية ما عدا مجلة واحدة، هي مجلة الجمعية الملكية الآسيوية.
استهل المعجم بتصدير من المشرف على الكرسي أ.د. عبد العزيز المانع أبان فيه خطة الكرسي في نشر الدراسات والبحوث المنهجية المتعلقة باللغة العربية والأدب العربي التي تضيف جديداً إلى هذين المسارين: مسار اللغة، ومسار الأدب.
أعقب ذلك مقدمة حررها المؤلف، تحدث فيها عن علم وصف الكتب (الببليوجرافيا)، ونشأته عند العرب والإفرنج، وذكر أهم الكتب في هذا الفن الذي يعد لصيقاً بعلم المكتبات، وقدم دراسات موجزة عن أهمها، وبيّن مواضع النقص فيها مثل (المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع) الذي أصدره معهد المخطوطات العربية، ونفهم من المقدمة أن العرب سبقوا الغربيين في فهرسة الكتب، وتصنيفها وفق موضوعاتها، وذكر عناوينها وأسماء مؤلفيها، والإشارة إلى طرف من حياتهم، ويمثل ذلك كتاب الفهرست لمحمد بن إسحاق البغدادي المعروف بابن النديم، قيل: إنه فرغ من تأليفه يوم السبت مستهل شعبان عام 377هـ، وما زال يضيف إليه حتى وفاته. يرى ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد أنه توفي عام 385هـ، ويرى الصفدي في الوافي بالوفيات 2-197 أنه توفي عام 380هـ، ولم يذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء ص 2427 سنة وفاته، وممن ترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام 27-398، وابن حجر في لسان الميزان 5-72، ولم يشيرا إلى تاريخ وفاته، وروي أنه توفي عام 438هـ (ينظر بروكلمان والأعلام).
ثم أبان مؤلف المعجم عن منهجه في إعداده، والحد الزمني له، الذي يبدأ من عام 1300هـ حتى عام 1434هـ، وهي مدة طويلة وانتهى المطاف بالمقدمة إلى تعداد مصادر المعجم، وهي مصادر متنوعة، يأتي في مقدمتها فهارس المطبوعات ومعجماتها. ولعل من أهم الآراء التي ذكرها في المقدمة أن المملكة تأتي بعد مصر في عدد المطبوعات، ومعنى هذا أنَّ ما صدر فيها يفوق ما صدر في كل دولة عربية على حدة مثل العراق ولبنان وسورية.
أمضى المؤلف عدة سنوات في إعداد المعجم؛ حتى استقام على سُوقه. وعَمَلٌ بهذا الحجم ليس بمستطاع فرد أن ينهض به في الغالب، ولكنّ المؤلف أثبت أن الشخص حين يقبل على إنجاز مشروع، تحدوه الرغبة، ويدفعه الإخلاص، ويحفزه الإصرار، يستطيع أن يحقق وحده ما تقصر عن تحقيقه بعض اللجان والمؤسسات. وعلى الرغم مما امتاز به المعجم من شمول وتقصٍ وتدقيق فإن معدَّه بدا متواضعاً في تقديمه - وهذا من خُلُق العلماء - فلم يدع الكمال، ولم يصف علمه بأنه لم يترك شاردة ولا واردة تتصل بموضوعه إلا دونها، وغير ذلك من عبارات المتبجحين المغرورين يقول في 1-12- 13:
«وبعد: فإن من المتوقع أن لا يضم هذا المعجم جميع ما صدر في بلادنا من كتب التراث؛ فذلك لا سبيل لنا للإحاطة به؛ نظراً لسرعة وتيرة النشر في هذا المجال، وتعدد جهاته، ولذلك فإننا نجزم بأنه قد فاتنا الكثير مما نُشر. وغاية ما نقوله: هو أن ما يحتويه هذا المعجم هو ما انتهى إلى علمنا من هذه المصنفات في طبعاتها المذكورة. ولعل طبعة أخرى لهذا المعجم تستكمل النقص في المعلومات، مع إضافة مطبوعات فاتت المعجم أو استجدت بعد صدوره. والأمل معقود على القراء - من العلماء والباحثين والناشرين - في إغنائه بذلك، والإضافة إليه بالتصحيح والمراجعة... فهو بلا شك عمل فردي معرض للنقص. والكمال لله وحده...».
من خلال اطلاع المؤلف على المصنفات التي عنيت برصد الكتب مخطوطها ومطبوعها ووصفها، ابتداء من فهرست ابن النديم وتجربته في إعداد هذا المعجم، وما سبقه من تجارب تتصل به أدرك أن الإحاطة بجميع ما ينشر - ولو كان في تخصص واحد - أمر مستحيل. وهذا النقص لوحظ - مثلاً - في جميع الفهارس والمعاجم التي تخصصت في تدوين المخطوطات والمطبوعات في الشرق والغرب، وتلاحق دائماً بالتصويبات والاستدراكات؛ ولذلك فتح المجال أمام العلماء والباحثين والناشرين؛ ليزوده بما فات تدوينه، أو استجد من مطبوعات التراث في المملكة. تضمن المعجم عشرة أعمال تراثية لكاتب هذه السطور، وفاته تدوين عملين، هما:
1 ـ شعر شواعر بني حنيفة في الجاهلية والإسلام، جمعاً وتحقيقاً ودراسة، الصادر في الرياض عام: 1423هـ- 2002م.
2 ـ مرشد الخصائص ومبدي النقائص في الثقلاء والحمقى وغير ذلك، تحقيق وتعليق، الصادر عن دارة الملك عبد العزيز عام 1431هـ. وفوات بعض المطبوعات في معجم يتناول رصد ما صدر من كتب التراث ووصفها خلال أربعة وثلاثين ومئة عام لا يغض من قيمة العمل ودقته.
ومما يحمد للمؤلف أنه تجنب الخوض في متاهات النقد والتقويم، وقصر عمله على الوصف الموضوعي؛ فالهدف المقصود تعريف القارئ بهذه المطبوعات.
وبهذه المقاييس المنهجية والموضوعية والشمولية أعد الكتاب كتاب الموسم لعام 1436هـ- 2015م بالنسبة لما صدر في المملكة من مطبوعات خلال هذا العام.
ومما يتصل بموضوع المعجم أن ثلاث جامعات في المملكة فتحت مجال تحقيق كتب التراث لطلبة الماجستير والدكتوراه، هي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة أم القرى، والجامعة الإسلامية منذ أن افتتحت في كلياتها أقسام الدراسات العليا، وتعددت هذه الأقسام بتعدد الأقسام الدراسية في مرحلة البكالوريوس.
وتوافر في الجامعات الثلاث قدر كبير من التراث العربي المحقق، لم ير النور إلا أقله، ربما أقل القليل. ومعظمه لم يستفد منه سوى أصحابه الذين ظفروا منه بالدرجة العلمية. ولعل من أهم المنجزات التي حققها قسم الأدب في كلية اللغة العربية، وجودَ عدد من كتب التراث التي لم يسبق تحقيقها، منها - على سبيل المثال - كتاب: الإسعاف في شرح شواهد القاضي والكشاف لخِضْر بن عطاء الله الموصلي المكي (ت 1007هـ)، وهو موسوعة تراثية في اللغة والنحو والأدب، أسهم في تحقيقه خمسة طلاب، حصل اثنان منهم على درجة الدكتوراه، وثلاثة على درجة الماجستير، كان من نصيبي الإشراف على طالبي الدكتوراه، وطالبة ماجستير، ومناقشة إحدى الرسالتين الأخريين. يتكون الكتاب من عشرة مجلدات، ويشبه خزانة الأدب للبغدادي (ت 1093هـ) موضوعاً وتنوعاً، إن لم يفقه في رواية الشعر، واستقصاء التراجم، وبسط الروايات والأخبار الأدبية والتاريخية. بعض من بهرهم وميض الحداثة يرون في التحقيق عملاً غير علمي ولا يجوز - في نظرهم - تسجيله في رسالة علمية. وفاتهم أنهم عالة على عمل المحققين وجهدهم في جميع بحوثهم ودراساتهم وأطروحاتهم، حرروا لهم نصوص الأقدمين، وضبطوها، وخرجوها، وشرحوا عزيبها، ودرسوها، وقدموها لهم مطبوعة تسهل قراءتها، ويتيسر الانتفاع بها دون عناء. هل يستطيع واحد من هؤلاء أن يكتب عن أدب الجاحظ دون أن يعتمد على جهد عبدالسلام محمد هارون في التحقيق!!، وهل يستطيع أحد منهم أن يكتب عن أدب الأندلس، أو لسان الدين بن الخطيب دون أن يعتمد على تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد أو إحسان عباس لنفح الطيب!! إنّ كل من كتب في الأدب متطفل على مائدة المحققين والمترجمين إلا من أجاد أكثر من لغة بالنسبة للترجمة.
أما بعد: فيعود الفضل في تحرير هذه الصفحات إلى الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن ناصر المانع الذي كرم بإهدائي نسخة من المعجم، وغيره من مطبوعات الكرسي، وهي مطبوعات امتازت بجدة الموضوع والتحكيم العلمي الدقيق، وجمال الشكل في الإخراج، والطباعة بهذا الحرف الكبير الواضح الذي يريح القارئ، ويمنح ذوي البصر الكليل متعة القراءة في راحة ويسر.
حين أنشئ كرسي أ. د. عبد العزيز المانع كان من ضمن أولوياته الإسهام الفاعل في تحقيق فرائد التراث تحقيقاً علميّاً، ونشرها، وتمكن من إخراج جملة صالحة منها؛ وبذلك مكن جامعة الملك سعود أن تنضم إلى رصيفاتها الجامعات الثلاث في الاهتمام بالتحقيق بقدر كبير، وعلمت أن قسم اللغة العربية في كلية الآداب أجاز التحقيق في الرسائل العلمية الماجستير والدكتوراه. وهذه خطوة تسر.
حينما نظفر بكتاب في اللغة أو الأدب حققه عربي، ونبحث في مظانه من معجمات الكتب وأدلتها نجد أن مستشرقاً سبقه في تحقيق الكتاب، ونشر في إحدى البلدان الأوروبية. وكنت - ولا أزال - أطمح أن أرى بين يدي معجماً كهذا المعجم يرصد جميع الأعمال من تحقيق ودراسة التي قام بها المستشرقون خدمةً للتراث العربي منذ القرن الخامس عشر؛ ليتوافر أمام الباحث والمحقق فرصة الاطلاع عليها، والإفادة منها في تحقيق أو بحث ودراسة، وليقتنع من زهد في تراثنا العربي بأن أوروبا والغرب عموماً احتفيا بهذا التراث تحقيقاً ودراسة ونشراً أكثر من أربعة قرون، وما كانوا ليحفلوا به لو كان تراثاً هزيلاً لا قيمة له.
فهل يتبنى الكرسي إعداد معجم يدون مصنفات المستشرقين في تحقيق كتب اللغة والأدب ودراستها كهذا المعجم الذي أتحفنا به أ.د. أحمد الضبيب!! أدرك أن المهمة شاقة، ولكن العزيمة تحقق المستحيل.
- الرياض