حينما كتب أحمد شوقي مسرحيته (مجنون ليلى) وردت عنده جملة مسرحية هي: واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وقد وردت في حوار بين شخوص المسرحية، ولكن الذاكرة الثقافية التقطتها من حضن مولدها المسرحي لتكون بعد ذلك مقولة يطرحها الناس لمحاولة تخفيف خلافات الحوار، أي حوار، وبهذا تظل حاملة للروح المسرحية فيها منذ نشوئها ثم في تداولها الذي يحضر وقت الصخب النقاشي ووقت التبادلات اللفظية وكأنها راية السلام البيضاء التي يفردها المتخاصمون أملا منهم في الخلاص، ولكن لا خلاص في ذلك، فالجملة المسرحية تظل قيمة مسرحية ولا تتحول إلى واقع سلوكي، وكل رأي في الحياة هو موقف تصادمي بالضرورة، ولو لم يحدث تصادمية فهو لن يكون رأيا ولكنه سيكون قولا متفقا عليه، إذ من شرط الرأي وشطر تكوينه وشرط تسميته أن يكون قولا يصدر عن قائله ويخصه تحديداً، وليس نقلاً عن غيره ولا هو وصف لحال أو فكرة، والرأي بشروطه الثلاثة (تكوينا وتسمية وتخصيصا) هو بالضرورة معنى مخالف للمتفق عليه ولو لم يكن كذلك فلن تصح تسميته بالرأي، وفي المقابل فإن الود هو صفة لتوافق بين وبين، وأي تغير في درجة التوافق سيتلوها بالضرورة تغير في درجة الود، بدءا من القبول على مضض أو التسليم والمجاملة أو الانتظار لحين، ثم تتكشف دواعي الخلاف، ومن هنا فإن اختلاف الرأي يفسد الود، بكل تأكيد، ولكن ما درجة فساد هذا الود....!، هذا هو السؤال، والتاريخ يشهد والوقائع تؤكد أن أخطر الحروب البشرية قامت بسبب اختلاف الرأي، دينيا كان أو اقتصاديا أو عرقيا أو مصالحيا، وهكذا مع الأفراد، ولنتذكر كيف فسدت المودة بين أهم عالمين في علم النفس هما فرويد ويونج وكيف تحول الود والحماس بينهما إلى عداوة شرسة بسبب اختلاف بينهما حول تقييد معاني المصطلحات، وكل من جاء بعدهما كان يرى أن الرأيين ببنهما قابلان للجمع، ولكن النفس البشرية لا تتحمل الاختلاف إلا لحد ثم ينفجر الخصام، وجملة شوقي سوف تظل جملة مسرحية وستظل تؤدي دورها المسرحي ولكنها لن تكون قانونا سلوكيا لأنها تجعلك بين خيار الرأي وخيار المجاملة، والرأي أولى وأحق.