لا توجد كذبات كافية لمواساتنا في هذا المكان
سالمة الموشي
ومن قال إن مكافآت الحياة توزع بعدل؟ إنها كهبات الحب والحظ والجمال تغرق البعض بكل شيء ولا تهب الآخرين شيئاً لكأنهم أيتام الحياة.
ولكم وهبتني أجمل ما لم أكن أنتظر.. وهبتني الحزن النبيل هذا الذي منحني رؤية الأشياء بغنى مطلق وحرر داخلي الطين من كل ما هو مشوش وأرضي وقرب مني الأرواح النبيلة والحزينة المسكونة بالحكمة والتبصر هذه التي تأتي دون وعود كثيرة بالهبات غير أنها لا تضن أبداً بالحب ولا بالعون ولا حتى بالعزاء إذا ما أعوزها المدد ولكأنها «بالرؤيا» تتشاطر معنا في كل شيء.
ولم أكن لأخترع هذا الحزن ولا لأدعية، لا أحد يدعي الأوجاع.. سيتعب من يخترعها وسينكشف كل من يتمثّلها سيمل, ولم تكن الأحزان يوماً عمل مبهج على كل حال.
لكنها لي افتتان بكل بما جميل وبعيد وبكل ما كان ولن يستعاد وبالتفريط الذي كان ذات يوم وتعذر معه كل عوض.. وعلى الله العوض في كل فقد.
وسأقول لكم حكاية صغيرة.. كنت وحدي وكان صباح خميس ككل الأيام ولن أدعي أنه كان يوماً سيئاً ولا يوماً جيداً, كان يوماً حيادياً وحتى لا أقول إنه كان يوماً بليداً كالكثير من الأشياء في هذه الحياة.
ودون مقدمات.. نعم هكذا دون مقدمات شعرت أن شيئاً داخلي ينكسر, ينكسر حقيقة لا مجازاً ولم أكن أعرف ما هو.. ما أعرف أنه كان عميقاً داخل الروح, لكني سمعت صوته يتحطم وكنت أقود سيارتي وكنت وحيداً كعادتي وتوقفت, لا من أجل انتظار عون ما ولكن من أجل تحسس هذا الذي يتكسر وللتأكد أنه لم يسمعه أحد.
بالطبع لم يكن هناك من شيء يلمس رغم أني سمعته يتهشم ولم يكن ذلك أول مرة ولكن من يصدق؟
ووجدت «إيمان الأمير» ابنتي بحكم العمر وزميلتي بحكم الكتابة وصديقتي بحكم هذا الفضاء تكتب لي وتقول لي بما معناه: «لقد جعلتنا نشتاق الحزن كما لو أننا لم نحزن من قبل.. لذلك نبحث عنك وعن حزنك أنت أصدق وصديق الحزانى وأقربهم لنا ودائرة الحزن تتوسل روحك كي يبقى لنا مخرجاً تصافحنا من خلاله ومن خلالك أحببنا الحزن».
وكانت تلك تعزية آنية وهبة عاجلة ومكافأة من مكافآت الحياة وحينها عرفت أن رسائل أرواحنا تصل لمن يشبهوننا وأن عونهم يأتي عاجلاً وأن الحزن يظل أميناً علينا ولا يفرط بنا ووحده يجعل القريبين منا يشعرون بنا على مسافة مجرة وأنهم يهبون لتقديم العون الروحي لنا رغم أننا كنا صامتين نتلفت حيث اللا شيء.
وإيمان ليست وحدها، الكثيرون يفعلون أحياناً والبعض نعرف أنه يفعل حتى وإن لم يمتط الأبجدية.
ومن أجل ذلك ومن أجل السخاء الذي يملأنا به الحزن غدونا متصالحين معه وقانعين به، بل حتى الاستماتة في الذود عنه حتى لا نتحرر ويسكننا بعده الفراغ المريع.
ومكافآت الحياة ليست بالضرورة أن تكون كلها فرحًا، الأجمل والأبقى منها من يأتي عميقاً من الروح ويسافر في الروح ويبقى مضيئاً عندما يغادر الكل منصة الاحتفال وتطفأ الأنوار المضللة.
عمرو العامري - جدة