لم يسألني أحد ما، لا من العلماء ولا من الباحثين ولا من عامة المثقفين أو القراء، لكنه سؤال يطرأ وقلَّ، أو لعله قلَّ، مَنْ يدرك الإجابة عنه.
السؤال: ما المراد بلفظ الجلالة: (الله)؟
الإجابة عنه من حيث الدلالة اللغوية الحديثية أنه: عَلَمٌ. قال سيبويه: أعرف المعارف. وعند عامة المحدثين وأهل التفسير وعلماء النحو أنه الاسم الأعظم؛ فهو عَلَم مستقل جليل، يوصف فيما بعده بجميع الصفات العظيمة؛ ولهذا يكون ما يرد بعده في الذكر الحكيم أو السنة الصحيحة إنما هو وصف له.
فتدبر معي (عزيزي القارئ) هذه الآيات: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (22 - 23) سورة الحشر.
وهناك سر جليل: على تطاول القرون لم يتسم أحد أبداً من الجبابرة أو زاعمي العظمة أو من ذوي الكبر والعتو وسعة الحيلة وفرض القوة بالدهاء والمكر بهذا الاسم (الله).
فقد حمى الله جل في علاه اسمه من أن يتسمى به أحد ما على هذه الأرض على مر الأحقاب من عهود باطشة وغير باطشة.
وهذه حكمة وآية عقلية لمن أوتي سعة البطان وعظم المدارك وتأمل سير الأمم منذ بدء الخليقة، بل حتى فرعون مع قوله كما حكى الله تعالى عنه: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} لم يتسم به مع ما أُعطي فرعون من الدهاء وقوة الشخصية وموهبة الإقناع والاحتواء لغيره.
جاء عن ابن عباس في الموقوف عنه أنه قال: «الله: ذو الألوهية والعبودية». والذي يظهر لي على هذا أنه اسم مشتق. وجاء في شرح كتاب (التوحيد) «وذكر سيبويه عن الخليل أن أصله (إله) مثل فعال، فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة». قال سيبويه: «مثل: الناس أصله: أناس».
وقال الكسائي والفراء: «أصله الإله، حذفوا الهمزة، وأدغموا اللام الأولى في الثانية».
قال الشارح: وعلى هذا فالصحيح أنه مشتق من إله الرجل: إذا تعبد. كما قرأ ابن عباس رضي الله عنهما: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} أي عبادتك. وأصله الإله، أي المعبود، فحذفت الهمزة التي هي فاء الكلمة، والتقت اللام التي هي عينها مع اللام التي هي للتعريف، فأُدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللفظ لاماً واحدة مشددة، وفخمت تعظيماً.
وقال ابن القيم الجوزية: «وزعم السهيلي وشيخه أبو بكر ابن العربي أن اسم (الله) غير مشتق؛ لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادة له فيستحيل الاشتقاق».
وقال شارح الطحاوية ابن عبدالعزيز وكذا الإمام الطحاوي كما شرحه ابن عبدالعزيز: «قديم بلا ابتداء».
قلت: وكلام ابن قيم الجوزية والطحاوي جيد، لكن لا يوصف الله جل جلاله بالقديم، فليست هذه اللفظة القديم من صفاته سبحانه ولا يمكن أن تكون اسماً.
فإن ابن قيم الجوزية في قوله ذاك ذات الاسم لفظ الجلالة (الله) ليس إلا فهذا مقارب من حيث الدلالة اللغوية.
قلت: كذلك وما ذكره شارح كتاب التوحيد مقارب للمراد المنشود.
ولعلي أبين هنا ما يحسن بيانه نحو هذا الاسم العظيم الذي تفرد به سبحانه وتعالى:
أ - أنه اسم مهمل فتاؤه المربوطة غير منقطة.
ب - أنه اسم لا يُقسم إلا به غالباً.
ج - أن الضعيف من الخلق ممن وقع عليه ضيق أو تجاوز عليه أو هضم حق أو وشاية عند الدعاء لا يقول إلا (يا الله يا الله يا الله)، ولا ينطق داعياً ولاجئاً بصفة له أخرى جل وعلا. وهذا فيه دلائل عظمة هذا الاسم في الضراء عند إرادة زوالها عن الضعيف أو المهضوم الحق حساً أو المهضوم الحق معنى.
ولا يصار في الدعاء إلى صفة كالرحمن أو الرحيم أو الحليم إلا عند طلب العفو والسماح ورد المظالم إلى أصحابها، وطلب الإعانة على ذلك، وإن كان لفظ الرحمن أو الرحيم وإن كانا اسمين حقاً فلا يكونان إلا كذلك، وهما غالباً يعقبان اسم الله.
وقول فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} كما حكى الله تعالى عنه ليس إلا من باب التفكير والتنكير إنما كان على سبيل التعاظم والاستخفاف بالعقل كما هو معلوم من حال فرعون بضرورة شيطنته ودهائه واستحواذه، ولهذا جاء في المنزل الكريم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}؛ لأنه كان يعلم من حال الفطرة بالضرورة أنه يستحيل عليه أن يقول أنه هو: الله. وكان الله سبحانه قد قال عنهم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}، مبيناً حال معرفتهم به سبحانه وتعالى، لكنهم جحدوا لما جحدوا ظاهراً. ولهذا نزلت سورة الأنعام يحف بها سبعون ألف ملك لهم هزيج من التسبيح، يسبحون الله تعالى لما اشتملت عليه هذه السورة من حقائق هذا اللفظ (الله)، وما حوته هذه السورة من مخاطبة العقل حيناً والقلب حيناً آخر، وما دلت عليه من حقائق الكون المقروءة والمنظورة، ومخاطبة الروح والوجدان، وتحريك العقل صوب كثير من العبر، والتدبر نحو هذا الاسم فيما من سالف الأمم قد كان لهم أو عليهم.
** ** **
بريد السبت
* سعيد بن جاسم العامي بن مطلك - العراق - الحلة
قبر علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - لم يثبت بالكوفة، نفاه ابن كثير في (البداية والنهاية)، وذكر الخلاف في هذا.
* زيد بن تميم بن النهالي - الخرج
كلا، ابن قتيبة أجل من الجاحظ من حيث التثبت سنداً ومتناً وصدق الرواية، ولاسيما في كتابه الخالد (عيون الأخبار) و(أدب الكاتب).
والجاحظ جليل القدر لو ترك بعض العبارات المخلة بالأخلاق. ولست أشك في أنه كبير المقام في دفاعه عن العرب وآدابهم حينما نظروا إلى الحق وتأدبوا بآداب الشريعة.
* إبراهيم بن خالد بن مروان اليامي - سبت العلايا
قصة الغلام والساحر رواها الإمام مسلم في صحيحه، ثم ذكر قصة الأخدود. فعد إليها هناك.
* هيفاء. أ. الحديثي - البكيرية
تردك رسالة خاصة.
* محمد بن صنت بن محمد العتيبي - الدوادمي (أبو ناهد)
لعلك تعود إلى الكتاب لسيبويه م-17-115.
- الرياض