وهو الوزير الخامس الذي يتولى حقيبة وزارة الثقافة والإعلام، وكنت أرى كثيرين يكتبون تطلعاتهم وآمالهم مع قدوم كل وزير، لكن وتيرة التوقعات تراجعت والتصريح بالآمال اختلف عما قبل ربما فقد الناس مقدار الأمل، أو ربما هي الثقة الكبيرة في قيادات جديدة شابة تعرف جيداً مفاصل العمل، وتتيقن من مكامن العلل ومصادرها ومعامل إنتاجها داخل أروقة الوزارة والقطاعات التي تعمل تحت مظلتها.
وقد بادر الوزير الشاب القادم من أروقة القطاع الخاص بكل يقظته ونجاحاته إلى زيارة إذاعة الرياض في ثاني أيام عمله. والزيارات الميدانية بكل أشكالها خير شاهد على المشهد وتداخلاته ونجاحاته وتراجعاته.
وأظن مرافق مهمة في القطاع الثقافي والإعلامي بالوزارة تنتظر أياماً يقضيها الوزير في أروقتها ليعرف عن قرب واقعها وأسباب ارتفاع وتيرة نقد الجمهور لها، أو غيابها عن المشهد بشكل أو بآخر، وأولها المكتبات العامة؛ وهي تزيد عن ثمانين مكتبة وفيها يعمل كادر كبير من الموظفين في أرجاء البلاد لكنها، بكل أسف، تعيش خارج العصر ولا يرتادها أحد وتُصرف عليها ميزانيات ضخمة سنوياً، وبقاؤها بالصورة التي هي عليها ضرب من ضروب الهدر المالي والإداري.
ولا تقل إدارة المطبوعات العربية والأجنبية أو «رقابة الكتب» أهمية وأتمنى أن يمضي الوزير يوماً واحداً يعرف فيه القواعد المتبعة في إجازة الكتب، أو منعها والمهارات الثقافية التي يتمتع بها «الرقباء» وأسباب غياب التعاملات الإلكترونية عن هذه الإدارات رغم الوعود المتكررة بشأنها.
أما صحيفة أم القرى الشهيرة التي تشكل علامة مهمة في تاريخ الصحافة والثقافة المحلية فأظنها تحتاج يومين كاملين من وقت معاليه لعلها تلحق بركب الإعلام الجديد والمستوى الحضاري الذي قطعته المملكة في كل الأصعدة وبقيت هذه الصحيفة تعيش في هامش قديم غير قادرة على تحديث رسالتها ومواكبة الأحداث والتعامل معها بمهنية واحتراف، وهي تحظى بدعم رسمي ولها موارد ثابتة لكنها لم تحسن إدارتها.
الأندية الأدبية تقع هي الأخرى في مجال من الضبابية والتنازعات المالية والإدارية وصل بعضها إلى المحاكم بفضل الأنظمة الهلامية التي قدمتها الوزارة قبل سنوات وتشكيك البعض في عمليات التصويت فتراجع العمل في كثير من الأندية وأضحت قضاياها مادة خصبة لتندر وسائل الإعلام والمجالس العامة.
وهذه الأندية تحظى بدعم واضح لعل آخر صوره الملايين العشرة التي قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لكل نادٍ عند توليه مقاليد الحكم، وقبله فعل الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، ولعل الوزارة تستغل مبالغ الدعم المالي بشكل مؤسسي فتنشئ صندوقاً استثمارياً باسم الأندية الأدبية أو وقفاً ثقافياً يدر عليها دخلاً سنوياً يحقق طموحاتها بعد صياغة اللوائح والأنظمة بشكل واضح وصريح.
أما جمعيات الثقافة والفنون فهي خليط من الغموض والهموم التي تطاول عليها الزمان وعلى الوزارة في عصرها الجديد أن تتخذ موقفاً صريحاً منها بدعمها، وإعادة تأهيلها، وإعطائها حقها المؤسسي الكامل إدارياً ومالياً والاعتراف برسالة الفنون الحضارية أو إغلاقها؛ وذلك خير من تقديم أعمال هزيلة وتكريس الصراعات، ومن ثم السماح للمبادرات المدنية الخاصة في المسرح والفنون الشعبية والفن التشكيلي والفنون الموسيقية على نطاق أوسع لخدمة الفنانين ورعاية المواهب؛ وهي جوانب عجزت الجمعية عن القيام بها أو رعايتها.
ولعل الوزير يمضي يوماً خاصاً يتابع فيه القناة الثقافية فيرى ضرورة إعداد دراسة تقدم أرقاماً عن جدواها والمستفيدين من برامجها ومقدار الهدر المالي الذي يذهب سدى وكان بالإمكان إعداد برامج ثقافية تراعي المهنية والاحترافية وتكون ضمن مواد القناة الأولى أو الإخبارية.
محمد المنقري - جدة