حق لنا إسناد الفضل لـ(أ.ر. نيكل) الذي اكتشف مخطوطة رواية (بياض ورياض) في العام 1934م بعد أن دله عليها الأستاذ جيورجيو ليفي، الموجودة في مكتبة الفاتيكان بروما، وقد كُتبت بخط مغربي جميل، ومزيّنة بأربع عشرة منمنة، ويُعيد تاريخها إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، ويعتقد نيكل أنها انتقلت من الأندلس إلى باريس في العام 1798م خلال الاحتلال الجمهوري ثم انتقلت إلى روما؛ وقد ترجمها نيكل إلى الإسبانية قبل أن تُعرف في العالم العربي، وتكرّم الدكتور صباح جمال الدين بتحقيق هاته المخطوطة؛ ونُشرت في العام 2014م عن دار الوراق للنشر وتوزعها مكتبة جرير.
وأعتقد أن هاته الرواية ستعيد التأصيل للرواية العربية، وتجعل للأدب العربي موضعًا تأريخيًا في فن الرواية؛ وإنْ كانت تُعتبر أقل تقنية من الرواية المعاصرة إلا أنها تحث تفكير النقاد ومؤرّخي السرد إلى إعادة النظر في أصل الرواية ضمن الأدب العربي، مع استحضارنا لوجود السرد عند كل الحضارات والثقافات والأمم إلا أن هاته الرواية تفرض ذاتها في الفن الروائي القائم على تقنيات القص بأركانه كالشخصية والحبكة.
ونستطيع أن نعتبر (بياض ورياض) الحلقة المفقودة بين رسالة الغفران للمعري أو التوابع والزوابع لابن شهيد وبين الرواية المعاصرة بتقنياتها وفنياتها الآنية، وقد تكون الرواية الأكثر تماسًا بالمفهوم المعاصر من حي بن يقظان للطفيل، إذ إنها تحوي المكان والزمان والأشخاص وتسلسل الأحداث وتحوي الأهم في تقنيات الرواية وهي الحبكة، وقد لا تكون رواية بالمعنى المعاصر للرواية وبفنياتها البارعة إلا أنها توازي ما كانت عليه الرواية في بداياتها من ضعف تقني وفني.
وتحكي (بياض ورياض) قصة حبٍّ بين الشاب (بياض) ابن التاجر الشامي الذي تركه وحيداً في العراق وبين (رياض) الفتاة الأمَة التي تعيش في قصر الحاجب، وهي الفتاة الأجمل بين فتيات القصر، وقد انعقد قلب الحاجب عليها لكن قلبها اتجه دون إذن منها إلى (بياض)، والقصة تدور حول محاولة بياض الالتقاء برياض بمساعدة العجوز التي تستطيع دخول القصر متى شاءت، لكن القصة أسقطت نهايتها بسقوطها من المخطوطة ذاتها كما أن بدايتها قد سقطت أيضًا.
إن تحقيق هاته الرواية في العام المنصرم 2014م مع أن اكتشافها يعود إلى العام 1934م يجعلنا نشعر بالحسرة أولاً على هذه العقود التي مرّت عليها وهي حبيسة في بلاد الغرب، وحسرةً أخرى عندما نعلم أنها تُرجمت إلى الإسبانية قبل أن يعرفها العرب، بل إنّ هذا الحدث يجعلنا نفكر بجد في البحث أكثر عن تراثنا الأدبي والسردي بالخصوص في ردهات المكتبات العالمية، ويتحتم هذا حينما نعلم أن السرد العربي القديم كان مهمشًا في تراثنا الأدبي بغلبة الشعر عليه، وبحثنا عنه سيكون له الأثر البالغ في تعميق الدراسات النقدية السردية التي ما زالت تحيل إلى الغرب كمؤسسٍ لها كما في حال الرواية.
صالح بن سالم - المدينة المنورة