سلمان المالك من رموز الفن القطري والخليجي.. رسم وأبدع فكسب الإعجاب
عرفته من خلال رسوماته الكاريكاتيرية (الكاريكاتير الصحفي) في الصحف القطرية، وتابعت لقاءاته الصحفية وصولاً إلى إعجابي مع غيري بإبداعاته التشكيلية، وأخذ متابعيه من عشاق أسلوبه إلى التعرف عن جانب آخر من قدراته الفنية.
ثم التقيته في معرض للفن القطري في الرياض، وزادني ذلك اللقاء من التعرف عن قرب على شخصيته الراقية الهادئة، واكتشاف عمق ثقافته ووعيه بما يمارسه من فنون.
أما اللقاء الأشمل فكان في الدوحة في مقر الجمعية القطرية للفنون التشكيلية؛ إذ أصبحت مساحة المعرفة الشخصية والفنية في إطار أكبر من اعتزاز بصداقة مثل هذه القامة التشكيلية.
قامة وقيمة تشكيلية قطرية
ضيفنا اليوم سلمان المالك، أحد أعمدة ورموز ورواد هذا الفن في قطر حضوراً محلياً أو ممثلاً لقطر في كثير من المناسبات التشكيلية والثقافية بعد عودته من دراسة الفن في مصر، مع ما خدم به الفن القطري في الجانب الإداري وبناء أسس هذا الفن؛ إذ شارك في تأسيس الجمعية القطرية للفنون التشكيلية، كما عمل مديراً فنياً لمجلة “الدوحة” الثقافية المعروفة، التي تخصص صفحات للفن التشكيلي، مضيفاً مجالاً آخر كرئيس لقسم الديكور بوزارة الإعلام والثقافة ورئيس قسم الأنشطة الفنية بالهيئة العامة للشباب والرياضة.
أما المجال الصحفي فهو رسام صحفي وجرافيكي ومصمم إعلاني وصاحب كاريكاتير يومي في جريدة (الراية) سابقاً، و(الوطن) حالياً، و أسبوعي في مجلة (أخبار الأسبوع)..
قواسم مشتركة بين الساحتين
من يتابع مسار تحرك الفنون التشكيلية بين قطر والمملكة يجد أن هناك كثيراً من التقارب في البدايات مع ما يضاف من علاقات حميمية بين فناني البلدين، أستشهد لها بزمالتي للفنانين القطريين محمد وسيف الكواري في معهد التربية الفنية موفدين من قطر إلى المملكة للدراسة في المعهد، اللذين أكملا دراستهما العليا في مصر والخارج، وعملا في مناصب في دولة قطر.
واليوم أصبحت الفنون التشكيلية القطرية شريكاً عربياً وعالمياً في العديد من المناسبات الدولية.
تجربة حملت إمضاءه محلياً وعالمياً
تجربة الفنان سلمان المالك مزيج بين خبرات عربية وعالمية، منها ما تلقاه في بدايات اكتشاف موهبته المتعلقة بتسجيل الواقع وإبراز قدراته من بين زملاء الدراسة الأولية وصولاً إلى مرحلة اكتشاف الآخر في عالم الفن التشكيلي في محيطه العربي؛ إذ يحيط به الكثير من التجارب والأساليب التي سجلت باسم دول وليس فنانين فقط عوداً إلى استلهام وتوظيف المصادر التراثية بيئة أو أساطير، بدءاً بالعراق وما تزخر به من أسماء، فالشام وما عرف عنها من تواصل مع فنون البحر المتوسط، وصولاً إلى مصر التي كانت المحطة الثالثة في مسيرته التشكيلية، وقد تكون الأولى لمعرفة مصير واتجاه بوصلته التشكيلية؛ فقد وجد فيها الكثير من الكنوز، سواء كانت بصرية فيما يراه على الطبيعة من آثار، أو كثافة بشر، أو أنماط بناء، وكيفية توظيف هذا العالم في اللوحة، مع ما تلقاه من مكتسبات معرفية نظرية وعملية من معلمين فنانين ومحيط من المتعلمين وعالم من الحراك التشكيلي في جانب المنافسة وإثبات الذات، والتنوع في أساليب الطرح.
مرحلة التشكل وتحقيق الخصوصية
بعد أن عاد الفنان سلمان إلى الدوحة، وتسلمه العمل الصحفي، وانغماسه في تقنيات الجرافيك والطباعة، أخذ وقتاً في التوفيق بينها وبين اللوحة، أجزم بأنها مرحلة ليست سهلة؛ فلكل منهم عالمه وتقنياته وأدواته ومراحل إنتاج العمل بين سرعة التنفيذ في اللوحة وبطء مراحل العمل الجرافيكي الصحفي.. ومع هذا الجو من الازدواجية استطاع الفنان سالم المالك أن يرسم خطين متوازيين يكملان بعضهما دون احتكاك أو تأثير أحدهما على الآخر. فمن يشاهد اللوحة لا يتوقع أنها لرسام الكاريكاتير أو مصمم الأغلفة أو البوسترات أو حتى الديكور إلا ببعض القواسم كاللون والخط؛ فاللوحة عند الفنان المالك عالم من الأساطير، تسمعها أكثر مما تراها، وترى أبطالها خطوطاً وتهويمات تثير الذاكرة، وتحرك الإحساس، وتمنح المشاهد ترتيبها حسب قدرته وثقافته ووعيه بالعمل الفني.. إيقاع سريع، يكشف حقيقة الانفعال الإبداعي وقوة تأثير العقل الباطني على الدفع بالأشكال والمواقف بسرعة هائلة، إلا أن الفنان سالم يكبح جماحها، ويسيطر عليها، وينتقي ما يخدم فكرته.
يشكل الإنسان محور غالبية لوحاته؛ ما يؤكد اهتمامه بالحياة التي تمثلها الحركة والتفاعل المجتمعي.. أبطاله المرأة والرجل. يقول عن وجود عنصر المرأة في لوحاته: “المرأة الوطن، المرأة الحلم، المرأة المساهمة في البناء، المرأة بعيداً عن المفهوم الحسي، وكانت كل هذه التأثيرات هي المصدر الذي يدفعني للإلهام الفني والثقافي والإنساني دون سواها”.
تضاد الألوان وعنف الخط
جمع الفنان سالم المالك الصور الذهنية التي التقطها عبر سنين عمره من البحر والبر، وما يلتقطه من المجتمع، إلا أن تلك الصور الذهنية بعد أن كانت مثار إعجاب ومصدر ارتياح لفنان يعي الجمال في كل ما يراه أصبحت جزءاً من تكوينه الوجداني والإبداعي؛ تُبرز ملامح قدرته على احتواء اللوحة التي اكتسبها من خلال تجارب طويلة مرت بالكثير من المراحل، أبرزها الأعمال التي اعتمد فيها على الخط الحد، والتكوين الأقرب للتصميم؛ ليصل إلى خطه الذي اشتُهر به، واستمر من خلاله على تكثيف إنتاجه الذي نرى فيه الانسجام في الألوان رغم التضاد، وليونة في الخطوط رغم عنفوانه، وديناميكية إيقاعه تشعر المشاهد بالحيوية أحياناً، وبالضجيج المرئي والمحبب عند المتلقي أحياناً أخرى. تطرح أعمال الفنان سلمان المالكي أسئلة كثيرة، وتجبر المشاهد على الوقوف والبحث والتقصي.. يخرج بعدها بمخزون بصري لا يذوب بسرعة، ولا يغفله العقل، بل يبقى في الذاكرة طويلاً.. أسئلة تشعرنا بأننا كنا أمام قصائد وروايات أكثر منها لوحات ثابتة على “كانفس الرسم”.
هذا هو الفنان سلمان المالك، وهذه هي الإطلالة الأقل في التعريف بمشوار طويل لا يخلو من المعاناة من المجتمع الذي كان في بدايات تجارب الفنان التشكيلية لا يزال يجهل معنى اللوحة أو المنحوتة.. رسم الكاريكاتير وساهم في حل الكثير من القضايا التي تهم المجتمع، ورسم اللوحة فوثق تراثه ورفع من ذائقة مجتمعه؛ فأصبح رمزاً من رموز الفن التشكيلي الخليجي.
monif.art@msn.com