الفكر.. الألف واللام دخلتا على نكرة، كان يجب أن تعرف بتشديد الراء لتحديد مسار المعرفة لتدل على شيء معين، والفاء والكاف والراء أصلية في تحديد المعنى العام، وهذا يجعل هناك اختلافاً كبيراً بين الفكر وبين الفهم.
فالفكر من فكّر يفكّر، والفهم إنما يكون بعده شيئاً فشيئاً حسب مدارك الأشخاص.
وفكر وتفكر ويفكر كل لفظه لها معنى يختلف عن الآخر، فهو إذاً يتأمل الشيء يفكر فيه ليعطي ما يراه وليبذل ما بان له، وهنا يأتي الفهم بعد ذلك تبعاً له.
وفي القرآن الكريم يتفكّرون المراد به يتدبرون من خلال العقل السليم لا من خلال القلب فقط أو من خلال العاطفة فقط أو ما قد يكون يملى على الشخص أو يوجه به إلى شيء قد لا يفهمه أو قد يفهمه حسب توجيه غيره له.
وهذا فكر فلان يراد هذا رأيه وبينهم العموم والخصوص من وجه واحد.
ورأى ويرى يذهب إلى ما يفهمه من خلال تدبره لأمر ما وعور المسألة أن ما من فكر عن طريق عقله المجرد من أساسيات التدبر الصحيح السالم من العوج ثم هو يعجز حسب طبيعة القصور الجبلية فإنه هنا يقع في دائرة مصيدة حيل النفس فيفترض افتراضات تخيلية تحيل فكره إلى الإعجاب بما يراه أو يسلك سبيله، ومن هنا تبدأ بوادر الإلحاد النظري والتي يصاحبها غالباً الجسارة والمعاندة والإصرار مع ما يصاحب ذلك غالباً من قلقل خفي وكآبة خفية وصراحة لا أصل لها.
إذاً فالفكر سابقاً الفهم، إذ الفهم نتيجة له قد تظهر سراعاً وقد تبطي وذلك حسب وضوح الرؤية مع توفر مستلزماتها، ولهذا جاء بالقرآن الكريم {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} المراد أن الله يوضح له جلَّ وعلا سبل الهداية العقلية والقلبية على سبيل واضح قويم لكنهم يصرون على الخطأ لسبب ما من الأسباب منها حب الرئاسة مثلاً وشيوع الصيت, ومنها حب الظهور ودوام الذكر ومنها المعاندة لا شعورياً ولهذا قد يقف القريب في وجه قريبه حسداً له إذا كان أعلم منه وأجود في مسائل العلم حتى يكون هو الظاهر المعروف وقد يستغل غيره من صغار الجلساء إليه أو المتصلين به ليقدحوا في قريبه في علمه مثلاً حتى يبقى مذموماً وهو العالم المعروف بينما يفهم العقلاء من الناس الخطأ من الصواب والحق من الباطل ويستطيع العقلاء من العشيرة وغيرها التمييز بين هذا وذاك لاسيما من أهل ذوي السلطة المدركين لأبعاد الأمور وعمقها وسورة يوسف بيَّنت هذا وكذا سورة النور.
- الرياض