مع إطلالة القرن الهجري الجديد وفي عام 1400 هجري استبشرت مناطق المملكة بميلاد المؤسسات الثقافية أو ما أطلق عليه بالأندية الأدبية أو الأندية الثقافية، تطلب البناء واستمرارية التواصل والعطاء وتوفر الكوادر التي ترفع سقف العمل وفق الرؤية التي تحقق الأهداف المرسومة لتلك المؤسسات.
تم في القصيم آنذاك ومن خلال جلسة انتخابية مفتوحة التوافق على ترشيح أبرز مثقفي المنطقة وسارت السفينة بأمان، تمخر عباب بحر الفكر والثقافة وتتجنب كتل الصخور التي تعترض المسار.
كان منبر النادي نافذة مفتوحة ومرآة تعكس كل التيارات وبكل الاتجاهات دون تصادم أو تأثر بطيف أو لون شاذ. فلا يتقاطع التجديف مع هوية المجتمع أو ثوابت الأمة وقيمها.
يُصاغ النشاط ويُعرض عبر المنبر والمنتدى والكلمة المطبوعة والحوارات والمداخلات، فيُطرح كنوز من سجل التراث ومستجدات الفكر المعاصر، ويُحرص على ترسيخ المفاهيم والدلالات الفكرية التي ترفع من قيم الناشئة وتشبع تطلعات الطبقة الفكرية والمثقفة الفاعلة.
انفتح النادي على المؤسسات التعليمية والأكاديمية وعلى الطبقات الثقافية بمختلف انتماءاتها واتجاهاتها.
كان يؤخذ على مجلس إدارته آنذاك طول بقاء أعضائه وضرورة تجدد الدماء في شرايينه.
تعالت بعض الأصوات التي تطالب بتجديد مجلس الإدارة، وجاءت الاستجابة، وتم ترشيح مجلس إدارة جديدة وعلى أكثر من فترة أو دورة فتم اختيار رئيسين للنادي يحضيان بالهوية الثقافية المتمكنة والكفاءة المشهودة لهما.
وتشكل المجلس خلال الدورتين الجديدتين، وكان الأمل في تجديد النشاط وفي لم شمل الطبقة المثقفة بالمنطقة، وفي تبني الدراسات النقدية وإثارة الحوارات الهادفة، وفي تعميق الهوية الفكرية الفاعلة المتزنة.
لكن مع تلاطم الأمواج في ساحة الثقافة، وضبابية الأنشطة. ضعف نشاط السفينة مما تطلب ذلك رسم المسار الإيجابي، وكان الحل يمر بمعالجة أسبابه. والتي لا تخرج عن ثلاثة أسباب: منها ما يرجع لطبيعة المرحلة الراهنة. ومنها ما تدان به الإدارة العامة للأندية الأدبية. ومنها ما يتحمله مجلس إدارة نادي المنطقة.
أما ما يرجع لطبيعة العصر. فإن الهوية الثقافية ومكوناتها في عصرنا الراهن قد اعتراها حالة من التحوير الشمولي، فلم تعد المنتديات والمجالس الثقافية وأحاديثها تغري بالمتابعة، ولم تعد الحوارات المتواصلة بالأسلوب المعهود طريقا للتثقيف، بل إن منهج التثقيف عبر القراءة التقليدية أصبح مملا واستبدل به ما يسمى بالقراءة الضوئية أو السريعة أو المختزلة، من خلال استخدام وتوظيف الأجهزة الذكية والشاشات الالكترونية، كما أن المادة الثقافية التقليدية العمومية التي يستقبلها ويوجهها قلم الناقد استبدلت بالمشاركات التي تخدم التنمية العلمية والتكنولوجية المؤطرة والمتجددة، يقول أحدهم واصفا حالة الثقافة المعاصرة وما يعانيه ديوانها «لا نرى إلا المآتم في ثقافتنا: شعر يموت - مسرح يحتضر - قراءة تنقرض - إنتاج سينمائي يتناقص - في الترجمة ترجم 300 كتاب» الفكر العربي في عصر المعلومات وإمكانية توثب الثقافة العربية. عبد الرحمن تيشوري.
وأما ما تدان به الإدارة العامة للأندية الأدبية فيتمثل من خلال قدم اللوائح المنظمة للأندية الأدبية، وعدم تجدد التطلعات والأهداف، وإن أقحمت بعض البنود التي حاولت فيها الإدارة العامة ربط مسار الأندية بالعصر، لكنها أغفلت الهيكل العام المنظم لأعمال الأندية الأدبية.
يبدأ الخلل من خلال تحديد المستهدف في رسالة النادي. أهو المثقف المتمكن الذي يحاكي نشاط النحلة وهنا يمكن التساؤل:
ما النشاط المغري الذي صاغته اللوائح لجذبه، وكسبه قوة الانتماء لتلك المؤسسة الفكرية، ثم إن هناك تفاوت في المسميات بين مسمى الثقافي والأدبي، واستاتيكية وجمود في النشاط الممارس، وعندما يبدأ الترشح لمجالس الإدارة لدورة جديدة فتمثل الإدارة العامة المشرفة على ذلك بالغائب الحاضر.
وأما عن النشاط الموجه للناشئة فالصورة تحتاج لإعادة النظر، فلا بد من أن يكون الطرح الثقافي مستوعبا للمتغيّر المعلوماتي ومستثمرا له، ملامسا لرغبات وتطلعات الناشئ، ذلك أنه غلب على عقلية الناشئة وسيطر عليهم الحرف الإلكتروني، وما يتسم به من إغراءات، وما يحمله من خصائص، فلا بد من مراعاة ذلك جميعه عند صياغة النشاط الموجه لهم، فهل النشاط الفكري في الأندية والموجه للناشئة قد استفاد من مستجدات العصر ووظف ذلك في رسالته.
أما عن الملاحظات التي تسجل على نادي القصيم الأدبي فنذكر بعضا منها علّ ذلك يُراعى في مجلس الإدارة القادم.
- لقد استطاع النادي في مسيرته وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن أو ما يزيد أن يشكل رصيدا في قائمة الأعضاء بمختلف انتماءاتهم واتجاهاتهم، يحضرون مناسباته، ويشاركون في فعالياته وأنشطته بمختلف المستويات، فهل بقى ذلك الرصيد على حجمه ؟ وهل يتفاعل المثقف الآن مع أنشطته؟
- كان مجلس إدارة النادي في أعضاءه طيلة الفترة الماضية مؤلف من مختلف التخصصات، من أدب وعلوم تطبيقية وتربوية ومعنية بدراسة التراث، فجاءت أنشطة النادي التي يطرحها تغري كل من ينتمي للثقافة أنّى كان تخصصه.
- كانت الأنشطة التي يطرحها النادي في مناسباته ومشاركاته ومطبوعاته تنطلق من غايات وأهداف اللائحة التنظيمية للأندية الأدبية، مراعاة لقيم المجتمع وثوابته وحرص على تعزيز الانتماء والبعد عن كل ما يضعف ذلك.
- لقد أتيح للنادي بإدارته الحالية من الإمكانات ما لم يتح في الفترات السابقة، تعايش لجامعة القصيم التي « تضمً خمس وثلاثين كلية، واثنتي عشر عمادة مساندة، وينتسب لها أكثر من 5.000 عضو هيئة تدريس وموظف. ويبلغ عدد الطلاب والطالبات الملتحقين فيها أكثر من (52.000) طالب وطالبة.. وتضم 71 تخصصاً علمياً في المجالات المختلفة، الشرعية والعربية والإنسانية إضافة إلى التخصصات العلمية والهندسية والصحية. وهذا يوفر رصيداً كافياً لبناء حراكاً ثقافياً مميزاً. فهل استثمر هذا الرافد المتجدد.
لقد افتتح صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز أمير المنطقة حفظه الله المبنى الجديد لمقر النادي بالمنطقة، ورسم سموه من خلال كلمته الضافية الخطوط العريضة لمسار النادي.
لعل في توجيه سموه ومتابعته كمهتم بالفكر والثقافة، وفي إمكانات النادي ومبناه الجديد ما يشجع على بناء الصورة المثلى المشرقة المستقبلية.
- مستشار تربوي وتعليمي