الخبرة التي حصل عليها الرعاةُ لم تكن ناجمةً عن فعل المطر، كما يتراءى لباحثٍ ضاقت به نفسه ولم تتسع عيناه إلا على حوائط تتلقف القطرات. إذ أن للمطر مسافة واحدة يتحرك في قطعها زائداً مرة وناقصاً مرتين. لكنّ الرعاة يتحركون في المسافات كلها، في كل المرات يزدادون تحرّكاً ولكنهم يتناقصون في المتن والسكون.. إنهم يعلمون أنهم آخر ما سوف تلقاهُ الأرضُ بخبراتها وخيراتها، لأنهم الأهل.. أهلُ هذا القشيب الذي تهجّوا خطوطه الشاقّة فكانت فرصتهم الأولى، وأهلٌ لمن يتفقّد نفسه جيداً كل مساء في محاولةٍ ثريةٍ لإحصاء البذور التي فرّقتها أصابعهم ذات فجرٍ لتنفذ ضحىً من صميم التراب.
كلُّ شيءٍ إذا مضى صار ماضياً، فإلى أين سيمضي بنا ماضٍ لم يعترف بإمضائه فينا أحدٌ سوانا..؟!
* * *
يستمطرونَ الذكرياتْ
يستكثرونَ على القواميس العظيمةِ
أن تطوِّرَ مفرداتٍ للحياةْ
وكأنهم يمشونَ حيثُ مشتْ بهم أقدامُهم
وكأنهم وقفوا قليلاً،
ثم عادوا للمسيرةِ عازمينَ على الثباتْ
هل سوفَ يختلفون؟
كان اتفاقُ الآخرين بأن يفتش بعضُهم عن بعضهِم
حتى يلاقي حظَّه،
في جملةٍ.. ستضيعُ بينَ الأسطرِ المبقاةْ.
* * *
لم يستفسر المارّةُ عن أسماء الشوارع، إنما كانوا فقط يتأمّلون البوّابتين: من هنا دخلنا، ومن هناك سنخرج.. فهذه جزيرةٌ وهذا خليج.. كيف يستطيع خارجٌ أن يكون بلا دخولٍ، وكيف للداخل أن يظلَّ بلا خروج؟ لا تنتظر إجابةً تختلفُ عن تلكَ التي ألّفتها أنت، ثم تركتها تتآلف مع أعضائك على الرغم منك وتتحالف مع أعدائكَ ضدّك. كلهم سيأتون عليكَ، وأنتَ تحسبهم يمرّون بك، كما تفعل أنت وظلالكَ في الشوارع كلها.
* * *
*(النزلة العالية):
هي نزلةٌ..
يؤتى بأعلاها إليكَ
إذا ارتضيتَ لها النزولْ
هي نزلةٌ..
فيها دليلكَ كيف تمشي
في غير دربكَ للوصولْ
فاخرج لها..
اخرج بها..
قد لا يفيدكَ مثلها، في كلّ تيهٍ
حينَ ضلَّ السمعُ فيكَ عن الطبولْ
هي نزلةٌ..
لا شيءَ ينقصها، لتصبحَ نزلةً
غيرُ التمنّعِ والقبولْ
هل سوفَ تمنعها؟ أشكُّ
وسوفَ أقبلها؟ تشكُّ
كأنني بكَ بي السواءُ: نمدُّ كفّاً للمسائل
قبل أن نجدَ الحلولْ.
هل نفكُّ الآنَ شيئاً دوننا؟
دوني ودونكَ كلّ ما نسعى إليه،
وليسَ في أعمارنا ما يستحقُّ بأن يطولْ.
- دبي
ffnff69@hotmail.com