حقيقة يتعين في هذه اللحظات الزمنية من هذا العصر، أن يعاد تعريف وتحديد كل المفاهيم والمسلمات والمصطلحات المتداولة والمألوفة في سياقنا الاجتماعي والثقافي والسياسي، وفق رؤية عصرية جديدة، ماذا كانت تعني وتدل، في السابق، وماذا تدل وتعنيه في هذا الوقت.
فمن هذه المفاهيم مفهوم «الوطن»!.
ففي هذه المقالة تناولت، اكثر «التعريفات» شيوعا للوطن، في الثقافة وفي السياسة، خصوصا في مفهومنا.. الشيء الملفت هو أن اكثر من تناول تعريف الوطن والمواطنة، هم ذوي نزعة الاسلام السياسي، وبشكل خاص الاخوان المسلمين.. فمن تعريفاتهم، يبدو أن كل اطياف الاسلام السياسي استلهمت تعريفهم، وانتشر بيننا..
في البداية، يجب أن نتبين أن مفهوم «الوطن» والمواطنة اختزل في الثقافة العربية،
فالقيمة الثقافية للوطن، ليست حاضرة فيها، او على اقل تقدير متلاشية او مخفية؟.. فهناك فراغ كبير وخطير، في الثقافة وفي السياسة وفي التعليم والاعلام، كذلك، خالية من مفاهيم الوطن والمواطنة يتعين التركيز عليها وتعريفها من جديد .. فمن هذا الفراغ الثقافي، انتشر تعريف «الاسلام السياسي» للوطن والمواطنة؟..
تعريف الاسلام السياسي، للوطن والمواطنة والوطنية، يقوم على اختزال، وتمويه، في التعريف، فأساس التعريف قائم على عقيدة سياسية حزبية، مبطنة بالاسلام السياسي المؤدلج .. فالوطن في هذا التعريف، ليست هي الارض التي فيها البيت والحارة، والمدينة والدولة والتي لها نظام سياسي قائم، ولها حدود محددة جغرافيا وسياسيا؟.
بل إن الوطن، في تعريفهم هذا، هو ما تحمله من عقيدة وتدين مذهبي، وليس شيء اخر.. تعريف يقوم على اساس ديني متحزب، ومتلبس بالطرح السياسي بشكل حاد؟.. جوهره قائم على نبذ ونفي الوطن والمواطنة، بمفهوميه الجغرافي والسياسي، والتركيز على إبراز «الوطن الديني المتحزب» ودفع هذا الاخير، إلى الامام وتعميقه في الثقافة والسياسة، والحد من إبراز الوطن الجغرافي بشكل لافت ومريب، في تعريفاتهم؟ للوطن؟.
فالوطن: الارض المحدد والمتعين جغرافيا، تلاشى واستبدل بـ الوطن الديني الحزبي المسيس، الذي «يُحمل» في النفس والوجدان والذاكرة؟..
تعريف يكرس قناعة، واحدة محددة؛ أن الوطن غير متعين وليس متحقق بعد؛ ليس هناك الوطن؛ المأمول والمنشود بعد؟.
هكذا يتم طرح التعريف، بتمويه.... طرح يقوم على الغياب الكامل للمكان الجغرافي، وإلغاء أهمية الارض والمجتمع والدولة، ويقتل الاحساس والانتماء وحب الوطن والمسؤولية تجاهه وتجاه أهله.. فلا قيمة ابدا للوطن ولا لأهله ومن ينتمي اليه.. استبدال الوطن الجغرافي المتعين، بـ الوطن الديني المسيس (الغير متعين)، ما هو الا حيلة ايديولوجية، وخطوة لاهداف سياسية مستقبلية، فحينما يتأزم المجتمع، سياسيا او اقتصاديا، يكون هذا التحييز لبنة سابقة للفعالية السياسة لهذه الايديولوجيا.. بحيث إنه يكون احد خيارات المجتمع القوية، المتواجدة ثقافيا وربما، دينيا، في إدارة السياسة والاقتصاد والمجتمع (في إدارة الحكم)؟. فحينما يتأزم المجتمع سياسيا او اقتصاديا.. يبرز ممثلون لهذه الايديولوجا، التي حيزت هذا التعريف في الثقافة والسياسة والمجتمع والتعليم؟.. فيكون قبوله من «المسلمات» في المجتمع بشكل آلي وبسيط؟؟.. لأن لهم مكانة في الثقافة قد حيز في السابق؟. والمكونات الثقافية، بما فيها الاعراف الشعبية عند المجتمعات، تخاطب اللا شعور، دائماّ!.. فأي انسان يطرح نفسه، يمثل هذه الايديولوجيا، المحيزة ثقافيا «في السابق» يتم القبول به ويصبح هو من يمثل الوطن والقيم الوطنية، في السياق الاجتماعي؟.. ويختزل الوطن والوطنية في هذا الانسان وفي انتمائه وفي فكره ومذهبه، وتصبح الوطنية هي الانصياع له ولايديولوجيته ولما يقول؟.
ولنا أمثله، في الحرب الاهلية اللبنانبة والصومال، حيث اختزل الوطن بأمراء الحرب ورؤساء الاحزاب، وما يحدث الآن في اليمن، فالاطراف المتناحرة، طرحت نفسها انها «هي» الوطن، وما يقولون هو الوطنية، واتباعهم هي المواطنة الحقة؟. فيسحق الوطن والمواطن تحت هذه الايديولوجيات التي تعتبر نفسها هي الوطن، بشخصياتها وانتماءها المذهبي والسياسي..
في واقع الأمر، يتعين إعادة تعريف «الوطن» بوعي تام، خصوصا، في الثقافة والتعليم والإعلام.
فالوطن ليس هو الدين ابدا، بل إن الدين عقيدة تعتنق، ولا تمارس شعائرها إلا بموجود ارض/وطن متعينة عليه، ولنا بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، عبرة وتذكرة في كل وقت وحين، في أنه لم ينشر الإسلام بدون ارض ووطن. فلما دعى إلى الإسلام في وطنه، اجلوه من بيته ودياره، فغدى يبحث عن وطن، يقيم به شريعة الإسلام.. فلا مجتمع ولا دولة ولا دين بدون «وطن».
سليمان البطي - الرياض