لا أظن: أن أحداً منا يجهل مكانة أستاذنا أبي وديع: عبدالفتاح أبومدين.. متعه الله بالصحة.. وموفور السعادة.. ومد في عمره.. فالفتى: مفتاح قامة وقيمة بنبله وإنسانيته.. وتساميه وتضحياته.. وبعطائه وتعامله.. وخدماته ومواقفه.. وريادته وأولوياته.. وعصاميته ومبدئيته.
أبومدين: كبير: كبير.. ليس في سنوات عمره فحسب التي قضاها: مؤمناً بالله والوطن.. ومُحباً للناس.. ومحبوباً منهم.. وفي أدبه وفكره.. وبكونه من رواد الصحافة.. وألمع الكُتاب.. وأكثرهم جرأة.. واستقطاباً للقراء.. ومهنية وصراحة.. وقدرات نوعية على العمل.. والإنتاج والإبداع.
إنه في غاية الصعوبة: اختصار سيرة أبي مدين.. حتى بواحد مما ذُكر.. فحياته.. غنية بمقاومته لأصعب التحديات.. وصبره وإيمانه.. وإصراره على النجاح فتخطيه أكأد العقبات.. وبعصاميته.. وعزمه.. فواحد مما مرَّ معنا عنه يحتاج إلى جهدٍ.. ودراسة تطول.. لكنني سأقصر هنا: الحديث عن دوره حين كان رئيساً لنادي جدة الأدبي الثقافي.. وقد لا أستطيع بيان كل ما حققه وفعله وعاناه.. والسبب: أن ما أنجزه.. وواجهه.. وتصدى له.. وتحمله وأثبته.. يصعب إحصاؤه.. ويثير الإعجاب إلى حد الدهشة التي بها: تتزاحم الأفكار.. وتحار بشأنها الأفهام.
أما سبب اختياري للحديث عن دوره في نادي جدة.. فيعود إلى طبيعة عملي السابق كمدير عام للإدارة العامة للأندية الأدبية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب.. أثناء رئاسة الأمير الراحل لها: فيصل بن فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله - التي تستدعي: المتابعة.. والتنسيق والتشاور بشأن أوضاع النوادي الأدبية.. والنظر في احتياجاتها.. ومعاونتها بمعالجة أزماتها.
في تلك الفترة التي توليت خلالها: مسؤولية الإدارة العامة للأندية الأدبية: مدةً نافت على ست عشرة سنة: مرت الأندية الأدبية كلها في أزمات متفاوتة الحدة منها: التطرف الديني والقبلي.. والخصومات الأدبية.. والفجوة الواسعة التي فصلت الأجيال عن بعضها.. والنزاع بين دعاة عباد الحداثة.. ومقدسي التراث على إطلاقه.. الأمر الذي بسببه: تقرر تجميد الانتخابات إلى حين.
كما لا تفوتني الإشارة إلى أن النوادي الأدبية في غضون المدة التي كنتُ على صلةٍ وثيقة بها.. وربما ما سبقتها.. إذا ما تجاوزنا: البدايات المُبكرة التي لوحظ على بعضها: انخفاض بنسبة عطائها نجدها كلها: تعدت هذه النسبة بنسبٍ: عالية جداً.. وعالية ومتوسطة.. واستطاعت رغم اعتماد مواردها على ما تقدمه الدولة لها على شكل إعانات لتجنيبها الضوابط المالية (الروتينية) لتمكينها من الصرف على مختلف مناشطها بحرية باعتبارها من مؤسسات المجتمع المدني تقبل التبرعات.. وما يقدمه الرعاة.. لكن الإعانات بالحد الأدنى كانت تغطي.. والتبرعات تكاد تكون نادرة.. والرعايات معدومة.. ولكنها استطاعت برغم كل ذلك: تأكيد حضورها.. وتفعيل نشاطاتها.. حيث أسهمت بالتوعية والتثقيف.. وبواسطة بعضها: برزت مواهب كثيرة.. بينها ما كان نوعياً بشتى الأجناس الأدبية.. وتحققت نهضة ثقافية.. لكن يبدو أن النادي الذي أطرها بالبهاء.. والجلال والجمال.. وعمقها بالقيم.. وجذر ذاتيتها.. وإخراجها من حال التقوقع عقب تحصينها بالتأثر المستلهم.. والأخذ الهاضم بحيث باتت الثقافة بالمملكة: قادرة على التجديد والتغيير.. والارتياد والاستشراف.. فحضرت وهذه حالها: عربياً.. ونُظر لها بإعجاب.. وطرح بتوقع المزيد.
إن النادي الذي بلغ بالثقافة هذا المستوى كان: نادي جدة الأدبي الثقافي بدعم وتسهيل صاحب السمو الملكي الأمير الراحل فيصل بن فهد -رحمه الله.. وهمة وحيوية.. وحماس الفتى مفتاح.. وحكمة وخبرة.. وفكر الشيخ الجليل عبدالفتاح.. وزملائه في مجلس الإدارة: أ.د. عبدالله الغذامي.. وأ.د. عبدالمحسن القحطاني.. ود. سعيد السريحي.. وأ. محمد علي قدس.. والشريف منصور.
بهمة وتخطيط.. وعمل وفكر هؤلاء: بلغ نادي جدة أعلى المستويات في إدارته.. وتنظيم حركته.. وبكم وكيف مناشطه كافة سواء المنبرية كالمحاضرات والندوات في مختلف الموضوعات.. والحوارات المفتوحة بين جمهور النادي.. والمسؤولين عنه.. وعقد الحلقات الدراسية.. والجلسات عن الشعر والقصة.. والرحلة والسيرة.
أو في إصداراته من الكتب.. والدوريات والمجلات التي شاعت بجميع أنحاء الوطن العربي نظراً لجمعها بين القديم والجديد.. والتراث والحداثة.. والخاص والعام.. وتعدديتها وتنوعها.. وحفولها بكل ما هو دسم وظريف.. وقد امتازت بالجرأة والحيوية.. والجدة والأصالة.. والإبداع والعمق.. وتجلببت بالجمال والطموح.. وأثارت جدليات فكرية عمت جميع الأقطار العربية.. بعد أن حظيت بإقبالٍ فيها.. ونالت الإعجاب والاهتمام.. ولا يبدو أن منا من يجهل ما أثاره: كتاب الدكتور عبدالله الغذامي (الخطيئة والتكفير).. وما تميز به (بين الأقواس) للسريحي.. وغنى مؤلفات أبي مدين.. ولا أظنني بحاجة لبيان ما تعرفونه عن المكانة التي بلغتها: الدوريات والمجلات التي أصدرها النادي.
واجه الأستاذ أبو مدين أثناء رئاسته مجلس إدارة نادي جدة تحديات شديدة الصعوبة.. وكثيرة أقلها: اتهامه بما يستحق عليه الإشادة.. وتحويل النجاحات إلى تُهمٍ.. ولكنها لا تستغرب إذا ما عرفنا: أن مطلقيها ظلاميون تكفيريون سيطرت على تفكيرهم ومشاعرهم: إيدلوجيات منطبعة بالغلو الذي أعمى أبصارهم وبصائرهم.. وجعلهم غلاظاً متوحشين.. فكان من الطبيعي.. وهذه حالهم: تضليل بعض محدودي الوعي.. وفقراء التجربة.. ومعظمهم من الفاشلين بالدراسة والعمل.. والعاجزين عن تأسيس علاقات إنسانية.. حيث يسهل سلب إرادتهم.. وبالتالي: تجنيدهم لنصرتهم بالعضلات.. لأنهم دائماً يضيقون بالحوار.. ويفتقرون للحجة والمنطق.. ويزعمون بأنهم على حق.. وغيرهم على باطل.. وقد حاولوا مع نادي جدة: توقيف أكثر من فعالية، لكن لحسن الحظ بأن البلد محفوظة بالرعاية والاهتمام.. والوعي والقيم.. ومنضبطة بالأمن بحيث تسقط افتراءات الظلامين.. وأعداء النجاح والحساد الذين بعد اكتشاف مقاصدهم.. والحيلولة دون تحقيق بغيتهم عقب إتمام السيطرة على بغيهم: نُبذوا.. وأجهضت خططهم.
الثقافة إذا انعدمت فيها: مشاركة المرأة.. ولم يحضر التراث بقوة.. وإلى جانبه: حداثة Modernism.. وتحديث Modernity: ينعدم التفاعل.. وتغيب الإضافات.. ويبهت بالرتابة والتكرار.. والاجترار كل فعل ثقافي.. فالمرأة: مكانتها رفيعة.. ومشاركتها ضرورة حياتية بالمجالات كافة وفق المعايير الشرعية..والحداثة: تضيف إلى القديم جديداً.. حيث تلد منهما جدة تتبلور في أصالة يتصاعد عطاؤها على الدوام.. والتحديث: تحسين ما كان ليتناسب مع ما هو كائن.. وهذا بنظري ما وعاه عبدالفتاح أبو مدين في إدارته للنادي.. فسقطت بذلك: افتراءاتهم.. وانكشفت مآربهم.. فلم يعد أمامهم سوى التواري.. والكيد والتآمر..والعمل بالظلام.. ومحاولات القيام بأعمال دائماً: الرصد.. والتحري والمتابعة.. والحرص والخبرة.. والوعي: يفشلها.
- الرياض