في عدد سابق من ثقافية صحيفة الجزيرة كتبت في ثقافية الجزيرة دراسة مطولة عن مهرجانات السينما في العالم وعنوانه الرئيسي «العرب في مهرجاناتهم مقلدون لا مبدعون» استعرضنا فيه طبيعة المهرجانات السينمائية في العالم وبعد ذلك عرجنا على مهرجانات السينما العربية، ومنها المهرجانات الباذخة التي عبرنا عنها أنها استعراض اكثر منه ثقافة. كما حددنا مواقع الخلل في تلك المهرجانات.
وكانت دبي قد أغلقت مهرجان الخليج السينمائي في دورته السابقة واليوم تم إلغاء مهرجان أبو ظبي السينمائي من قبل الهيئة المنتجة للمهرجان وهي (هيئة المنطقة الإعلامية).
ولقد جاء في قرار الإلغاء أن هيئة المنطقة الإعلامية في «أبو ظبي» قررت ألغاء المهرجان وإستثمار المال المرصود لبناء قاعدة مادية للإنتاج السينمائي من خلال توفير فرص للشباب لإنتاج وإخراج الأفلام بدعم من لجنة «سند» التي كانت ضمن مفردات مهرجان أبو ظبي السينمائي
حسنا فعلت أبو ظبي أنها ألغت المهرجان!
ثمة قائل يقول لماذا نفرح بإلغاء نافذة ثقافية وهو تساؤل مشروع. ولكن بحسابات السنوات والبحث عن الفائدة الثقافية والحصيلة الثقافية التي جنتها أبو ظبي من وراء المهرجان.. الجواب صفر. لأن أبو ظبي تبذخ المال على المهرجان وعلى تذاكر الدرجة الأولى في الطائرات وعلى سيارة الليموزيل السوداء الفارهة من أجل ليلة أفتتاح وتصوير ما يطلق عليهم نجوم السينما وهم يمشون فوق السجادة الحمراء. وتنتهي ليلة الافتتاح ويعيش المهرجان روتينا في المشاهدة التي كثيرا ما تكون الصالات فارغة لأن ليلة الافتتاح هي ليلة الدعوات التي يعقبها حفل العشاء، ثم تأتي ليلة الختام التي تمنح فيها الجوائز كما تمنح المبالغ الداعمة للإنتاج السينمائي العربي، لكن للبحث عن فيلم إماراتي فينبغي إستخدام جهاز أديسون للمشاهدة المعروف بـ «الكنتوسكوب»!
صحيح جدا أن تكون السينما قائمة في دولة الإمارات بتعليم عشاق السينما فن كتابة السيناريو وفن الإخراج ودعوة مخرجين محاضرين لدورات سينمائية وورش سينمائية ورسم برنامج إنتاج سينمائي في دولة الإمارات.. حينها تبدأ فكرة المهرجان بداية سليمة بإقامة مهرجان سينمائي وطني لسنوات كثيرة حتى تصبح ثمة هوية سينمائية ثقافية يحددها شباب متمرس على مدى زمني غير قصير. حينها عندما تصبح الإمارات العربية المتحدة وأبو ظبي دولة منتجة للسينما يمكن إقامة المهرجان السينمائي الدولي. حينها يصبح المهرجان الدولي مبررا ومشروعا ومعترفاً به من قبل مهرجانات السينما في العالم.
في مصر تاريخ سينمائي ولذا يأتي مهرجان القاهرة تلقائيا وطبيعيا لأن مصر نفسها تشارك بأفلامها في المنافسة مع السينما العربية. وهناك أكثر من مهرجان سينمائي في مصر ومنها مهرجان الإسماعيلية ومهرجان الأسكندرية
في المغرب صناعة سينما مغربية وفيها إنتاج سينمائي متواصل ولذلك فهناك أكثر من مهرجان في مراكش والرباط.
وفي تونس حيث مستوى الأفلام يتطور عاما بعد عام وتجد السينما التونسية لغتها التعبيرية المتميزة والمرتبطة بهوية الوطن وإيقاع حياته يوجد أكثر من مهرجان سينمائي. منها مهرجان قرطاج السينمائي الدولي ومهرجان نابل ومهرجان قليبيا لسينما الهواة. وتونس عرفت بنواديها السينمائي التاريخية التي خلقت جمهورا متلقيا للثقافة السينمائية.
ترى كم من السنوات تحتاج أبو ظبي حتى تصل إلى مستوى المهرجانات العالمية. ذلك رهين بعملية التخطيط والمنهج الذي ترسمه الجهة المشرفة على الإنتاج السينمائي في «أبو ظبي» حيث أن مستوى المعلمين لفن السينما ومدى حرصهم على ترسيخ قيم الثقافة السينمائية هو الذي يحدد مسار المهرجان والمهرجانات السينمائية في «ابو ظبي» ودولة الإمارات العربية المتحدة.
صحيح أن مهرجان أبو ظبي يوفر فرصا مالية لعدد من المخرجين العرب ولكن هذا لا يمنع أن يقدم مثل هذا الدعم بدون مهرجان سينمائي. وهو كما أظن سيكون قائما وتحت نفس العنوان «سند» الذي يدعم السينمائيين ولكن ينبغي أيضا التدقيق بمستوى السيناريو الذي يستحق أن يتحول إلى فيلم سينمائي.
خطوة إلغاء مهرجان أبو ظبي السينمائي أظنها خطوة شجاعة وليست سهلة وليست سلبية ثقافيا، ولكنها خطوة تتسم بالعقل والموضوعية في تقييم الثقافة السينمائية وعلاقتها بالواقع الإجتماعي والتطور الثقافي في مجال الثقافة المرئية.. السينما ومهرجاناتها.
- هولندا
k.h.sununu@gmail.com