إهداء إلى والديّ اللذين حاربا السرطان حتى الرمق الأخير، ولكل المحاربين الشجعان
(المترجمة)..
26/1/1979
لا أشعر بالأمل كثيرًا هذه الأيام سواء أكان الأمر يتعلق بذاتي أم بأي أمر آخر. يمكنني تدبر حركات جسدي كل يوم بينما يملؤني الألم مثل جيب قيحي، وكل حركة تهدد بهتك الغشاء المحكم الذي يحميه من السيلان وتسميم وجودي كله. يجتاح اليأس وعيي أحيانًا، كما تهب الرياح القمرية على وجه القمر القاحل، وتتمايل الجياد المسربلة بالحديد باستشاطة للأمام والخلف على كل عصب. أوه سيبوليزا2، ساعديني أن أتذكر أنني بذلت كثيرًا لأتعلم، ربما أموت بسبب اختلافي، أو أعيش ذواتي اللا نهائية.
5/2/1979
الأمر الرهيب هذه الأيام أن لا شيء يعبرني، لا شيء. كل رعب يظل مثل ملزمة فولاذية في لحمي، مغناطيس آخر يسحبني إلى اللهب، محراث انضم إلى قائمة الموت التافهة الرديئة للشباب السود. ألا يمكنني أن أعرف اللغة التي كتبت بها لعنتي؟!
1/3/1979
العثور على طعام لائق في هذا المكان أمر شاق، أنا لا أستسلم لتناول السم القديم فحسب، بل علي أن أعتني بجسدي بانتباه بقدر عنايتي بالسماد، خاصة أنه لا يبعد كثيرًا عن هذه النقطة. هل الألم واليأس اللذان يحيطان بي بسبب السرطان أم أن السرطان هو من أطلق سراحهما؟ أشعر أنني لست كفؤة لما اعتدت أن أتعامل معه سابقًا، القبح الخارجي الذي يتردد ألمًا في داخلي. نعم، أنا الآن مرجعي ذاتي كليًا لأنه الترجمة الوحيدة التي يمكنني الوثوق بها.
16/4/1979
تكمن جسامة مهمتنا في قلب العالم، وذلك يبدو كما لو أنني أقلب حياتي بطنًا لظهر. لو كان بإمكان النظر مباشرة إلى حياتي وموتي دون أن أجفل، سأعرف أنهما لن يقدما لي شيئًا مرة أخرى أبدًا. عليّ أن أكون قانعة فعلًا لأرى صغر ما يمكنني فعله وما زلت أفعله بقلب رضيّ. لا يمكنني قبول هذا مطلقًا، مثلما لا يمكنني قبول أن قلب حياتي قاسٍ جدًا، أكلي مختلف ونومي مختلف، حركتي مختلفة وكوني مختلفة. وكما قالت مارثا: أريد ما كنت عليه في الماضي، سيئة كما في السابق!
22/4/1979
علي أن أترك هذا الألم ينساب فيّ ويعبرني. فإن قاومته أو حاولت إيقافه، فسينفجر بداخلي ويبعثرني وينثر أشلائي على كل جدار وشخص أمسّه!
1/5/1979
حل الربيع، وما زلت أشعر باليأس مثل غيمة شاحبة تنتظر استنزافي وإغراقي مثل سرطان آخر، تنتظر ازدرادي بجمود، وهضمي إلى خلايا هي بحد ذاتها جسدي، البارومتر. أحتاج أن أذكّر نفسي بالسعادة والخفّة، الضحكة المهمة لحياتي وصحتي، وإلا سيكون الآخر منتظرًا دومًا ليهلكني باليأس ثانية، وهذا يعني الخراب، لا أعرف كيف، لكنه كذلك.
9/1979
ليس هنالك فضاء حولي للسكون، لتأمل واكتشاف أن الألم هو ألمي وحدي، ليس هناك أداة تفصل صراعي الداخلي عن سخطي على خبث العالم الخارجي، انعدام الوعي أو عدم الاكتراث الوحشي الغبي الذي يمضي بسبب ماهية الأمور، العمى المتغطرس للمرأة البيضاء السعيدة. من أجل أي شيء كل هذا العمل؟ ما الفرق إن كنت سأتحدث ثانية أم لا؟ أحاول. دم النساء السود يتدفق من الساحل إلى الساحل، ويقول دالي إن العرق ليس ذا أهمية بالنسبة للنساء، وهذا يعني أننا إما خالدات أو أننا ولدنا لنموت دون أثر، لا نسوة.
3/10/1979
لا أشعر برغبة أن أكون قوية، ولكن هل لدي خيار آخر؟ يؤلمني الأمر حتى عندما تنظر إليّ أخواتي في الشارع بعيون صامتة باردة. يراني الآخرون مختلفة في كل مجموعة أكون عضوًا فيها. الدخيلة، في كل من القوة والضعف. ومع ذلك، ليس هنالك تحرر أو مستقبل دون مجتمع، هنالك هدنة مؤقتة وشديدة الهشاشة بيني وبين اضطهادي.
19/11/1979
أود أن أكتب بغضب لكن كل ما يخرج هو الحزن. لقد كنا حزينين لأمد طويل بما يكفي لجعل هذه الأرض تنوح أو تصبح خصيبة. أنا خطأ تاريخي، حالة شاذة، مثل النحلة التي لم يُرد لها أن تطير، هذا ما يقوله العالم، لم يكن يفترض بي أن أخرج إلى الوجود. أحمل الموت معي في جسدي كتهمة. لكنني أحيا، والنحلة تطير. لا بد أن هنالك وسيلة لتوحيد الموت بالحياة، ليس بتجاهله ولا بالخضوع له.
1/1/1980
الإيمان هو اليوم الأخير لكوانزا3، واسم الحرب ضد اليأس، المعركة التي أخوضها كل يوم، وأصبح بها أفضل. أرغب بالكتابة عن تلك المعركة، عن المناوشات والخسائر، وعن الانتصارات الصغيرة لكن المهمة التي تمنح الحياة حلاوتها.
20/1/1980
أنهيت الرواية أخيرًا، لقد كانت حبل نجاة. ليس علي أن أكسب لأعرف أن أحلامي صائبة، عليّ فقط أن أؤمن بالسيرورة التي أنا جزء منها. أبقاني عملي على قيد الحياة السنة الماضية، حبي لعملي وللنساء اللذين لا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضًا. في إدراك وجود الحب، تكمن مواجهة اليأس، والعمل هو اسم ذلك الإدراك وصوته.
18/2/1980
عمري 46 عامًا ومسرورة لأنني على قيد الحياة، سعيدة ومبتهجة. لم يختف الخوف والألم واليأس، لكنها ببطء أصبحت أقل أهمية. رغم أنني أتوق أحيانًا لحياة بسيطة منظمة بجوع حاد مثل جوع الشخص النباتي للحم فجأة.
6/4/1980
أحيانًا، إن كانت المرارة حجر شحذ، فلا بد أنني سأكون حادة مثل حسرة.
30/5/1980
كان الربيع الماضي قطعة أخرى من الخريف والشتاء، تعاقب لكل ألم ذلك الوقت وحزنه، واجترار لهما. لكن هذا الصيف الذي غمرني يبدو كجزء من مستقبلي نوعًا ما. مثل عصر جديد، وأنا سعيدة لمعرفته مهما كانت نهايته. أشعر أنني امرأة أخرى، خرجت من شرنقتي وأصبحت ممتدة وقوية ومتحمسة، وعضلاتي مرنة ومتأهبة للانطلاق.
20/6/1980
لا أنسى السرطان لوقت طويل أبدًا، وهذا ما يجعلني مسلحة ومستعدة، لكن بجلبة خفيفة من الخوف. لقد ساعدني كتاب كارل سيمونتون التعافي، رغم أن اعتداه بنفسه قد أغاظني أحيانًا. لقد ساعدتني آليات التبصر والاسترخاء أن أصبح شخصًا أقل قلقًا، وهو ما يبدو غيبًا، لأنني بطريقة أخرى أعيش بخوف مستمر من الإصابة بسرطان آخر. لكن الخوف والقلق ليسا متشابهين أبدًا، فالأول هو استجابة مناسبة لظرف حقيقي يمكنني أن أقبله وان أتعلم التعايش معه مثل التعايش مع العمى الجزئي. أما الثاني، القلق، فهو خضوع للفزع، واستسلام للإبهام واللاشكل والبكم والصمت.
** ** **
1- أودري لورد: (1934-1992) كاتبة نسوية أفرو-أمريكية ، وناشطة في الحقوق المدنية، أصيبت بسرطان الثدي وماتت بعمر 58، هذه اليوميات هي مقتطف من كتابها The Cancer Journals المنشور عام 1980.
2- سيبوليزا: إلهة أسطورية بثدي واحد لأن الآخر أكلته ديدان الحزن والفقد.
3- كوانزا Kwanza : هواحتفال يدوم أسبوعًا يقام في الولايات المتحدة تقديرًا للتراث الأفريقي من 26 ديسمبر حتى 1 يناير، وأصل كلمة كوانزا يعود إلى اللغة السواحيلية، ويكون الاحتفاء بسبعة مبادئ واحدًا في كل يوم وهي: الوحدة، الاستقلالية، العمل الجماعي، التعاون الاقتصادي، المنفعة، الإبداع، الإيمان.
ترجمة: بثينة الإبراهيم - الرياض