وَما قَتَلَ الأحرارَ كالعَفوِ عَنهُمُ
وَمَنْ لكَ بالحُرّ الذي يحفَظُ اليَدَا
إذا أنتَ أكْرَمتَ الكَريمَ مَلَكْتَهُ
وَإنْ أنْتَ أكْرَمتَ اللّئيمَ تَمَرّدَ
أبوالطيب المتنبي
الحب الذي كان محرما علينا في السنوات الأول وهبناه للجدران للأبواب المنسية ولجذوع الأشجار..نخط عليها لغة البوح ثم نتركها منذورة للريح والمطر « عندما كان هناك مطر» وللمصادفة وعلها تصل..ولم تكن تصل.
كنا فقط نشكو للجمادات حين صم عنا آذانهم البشر. وكبرنا قليلا وتعلم البعض منا لغة الرسائل , فقط المحظوظون منا الذين كان لصدى لغتهم إجابة للحبر..والذين جاملتهم الحياة منذ البدء كثيرا.
البعض منا كان يذهب أبعد..كان يفصد وريد الطفولة ويبصم بالدم على أحرف ما زالت تتعثر في رداء البراءات. فهل كانت نبوءة مبكرة لم نلتقطها بأن قدرنا والطريق الوحيد لجنتنا لا يمر إلا على صراط القلب وأن ما سوى الحب باطل. وكانت تلك كل معاركنا الصغيرة..لأننا كنا في رحم وطن.
وكبرنا..كبرنا مرة واحدة ووهبنا كل هذا الحب الحائر للوطن..وأي بوصلة تخطيء الوطن؟
ولأننا منذ البدء لم نتعلم الحب سوى بالكتابة مجردين من لغة البوح فقد انتظرنا طويلا حتى يكون هناك ما نكتب عليه..وكان الحد الجنوبي الدفتر الذي أعدنا علية الكتابة من جديد..الدفتر الذي نتزاحم كلنا اليوم للكتابة عليه ولكن بالدم والبارود وأعراس الشهداء وشكرا لأعدائنا الذين منحونا فرصة الكتابة باللون الأحمر ولا سوى الأحمر..اللون الوحيد الخارج من محبرة القلب.
ونسينا كل حب سوى الوطن.. وكل اختلاف سوى الوطن وغدا كل النشيد جنوب.
ووهبنا الأرض دمنا وأزهرت.. وبالبارود تعطرت «سامطة» وكانت « الخوبة» خيبتهم الكبرى وكل ما حول نجران لهم جهنم والويل كل الويل لمن يختبر صدق الحب منا..ونظن عليه حتى بالكفن وملاذ بقاياه حواصل النسور.
وبهذا شهدنا وسنهب الحد الجنوبي دمنا مرة ومرة ومرة وهذا الوطن المتسامح كدعاء الأمهات يغدو كله خندقا من غضب إذا ما أختبر صبره واليوم بعض صبره يختبر. وسيتعبون كلهم من القتل ولن نتعب..وسيعجزون ولن نعجز وستترمل نساؤهم وأطفالنا يغنون كل نهار نحبك ونفتديك يا وطن من نهار والجيل جيل سلمان.
وحبرنا اليوم دم..ودفاترنا غضب وكل هذه البلاد اليوم جنوب.
عمرو العامري - جدة