عرفناه إنساناً تنويرياً ....
ينبض إحساسه هشاشة بين أصدقائه ومقربيه، يتواصل بحبّية مع طلبته، ينثر فيهم رؤيته للعالم بكل انتصاراته وانكساراته، فهو بحق الإنسان التنويري الذي يحمل مستقبله في ماضيه ليتدبره في حاضره، فهو يفقه فن العيش معاً في عالم متعولم، يتطلب منه نورانية تأويلية وتنويراً حداثياً لقراءة مجتمعه والمشاركة في ترسيخ روح الانتماء والمواطنة، وهذا سبيل الإنسان ذو الكينونة المنفتحة.
عرفناه ناقداً حوارياً .....
إن المسافة بين الإنسان التواصلي والناقد الحواري، لا تعرف انفصالاً بل اتصالاً مستمراً، فالدكتور معجب الزهراني ناقد مختلف مؤتلف، يؤمن باختلافية الرؤى النقدية، وهذا ما يبني ائتلافية فكره الحواري، الذي تجسد في مرجعياته النقدية المنفتحة على الآخر النقدي الذي يرى فيه آلية منهجية لفهم الأنا الإبداعي والمعرفي بأشكاله المتعددة، وهذا ما ظهر جلياً في أطروحته الأكاديمية الباحثة عن صورة الآخر (الغرب) في السرد العربي الحديث المتمثل في الرواية تحديداً، وهنا تظهر حواريته لمقولات كبار مؤسسي النقد الفرنسي الحديث والمعاصر، فهو يناقش تودوروف في مقولاته السردية، وجينيت في شعرياته السردية، ووباختين في حواريته التي طورتها من بعده كريستيفا في تناصها، مشغلا كل هذه المرجعيات النقدية لمساءلة السرديات العربية الحديثة، وما أنتجته من كتابة تجريبية اصبحت تشغل النقد العربي المعاصر، دون إغفاله لمقاربات النص الشعري لأن الشعر يبقى مسكن الكينونة الدائم.
وهذه الحوارية النقدية نجدها تنتثر في النتاج النقدي للدكتور معجب، فهو يتدرج في المقاربات النقدية، من النقد الموضوعاتي إلى النقد الجمالي الذي يظهر في (ثيمة المثاقفة في المحاولات الروائية الأولى بالمملكة..... النقد الجمالي في النقد الألسني ...)، ومن النقد النصي إلى النقد الحواري يظهر في المقالات والبحوث التالية: (ملاحظات حول «التفكيك (ية)»، في السيميائية: عرض وتأصيل....، الرواية المحلية وإشكالية الخطاب الحواري، آثار الحوارية في الكتابة الروائية المحلية، نحو التلقي الحواري مقاربة لأشكال تلقي كتابات ميخائيل باختين في السياق العربي .....)، ومن النقد المقارني إلى النقد الثقافي والحضاري، ومن محاضراته وبحوثه نختار (الشرق والشرقيون في ديوان Les Orientales للشاعر الفرنسي فيكتور هوجو، وأوهام العالمية: قراءة نقدية مقارنة لمفهوم «العالمية» في المرجعتين الغربية والعربية، الآخر العربي المسلم في قصص البير كامو وميشيل تورنييه، صورة المرأة في خطاب ابن رشد، محاولة لنقد وتأصيل مفهوم «التنوير» في الفكر النقدي الحديث.....)، ولهذا كان نفده نقداً دنيويا يؤمن بالاختلاف لصناعة الائتلاف المعرفي داخل المؤسسة النقدية العربية.
عرفناه كائناً روائياً .....
يرى بول ريكور بأن السرد هو محكي الحياة اليومية، فلما يكون الإنسان هو الحكاية أمام سرد يحاور اليومي و يذوّت المعيش، وهذا ما وعى به الدكتور معجب الزهراني الذي انتقل من ناقد حواري إلى كائن سردي يكتب نسيانه برقصات متباطئ كونديرا، فالنسيان يتذكر المحكي في غيابات الذاكرة ليؤلف لنا كتاب النسيان المبهج على نقرات رقص مرتحل بين المحلي والعالمي، ففي البدء كنا أمام رقص الموهبة الدفينة في عباءة الناقد ، لأن كلا منا يربي ساردا في داخله يجهله، فإذا تشبع حكى، وإذا روي/ى رقص، فكانت رواية رقص التي رقصت لغتها بشعرية متمرسة بالسرد الواصف، وكثفت أسلوبيتها حوارية مع الأنا والآخر في اختلافهما وائتلافهما في انفصالهما واتصالهما، كما تختلف الرقصات شكلاً وتأتلف معنى، فالرقص كما أنه شأن ثقافي هو شأن سردي أيضاً في الرواية.
د. عبد الحق عمور بلعابد - ناقد وأكاديمي جزائري - أستاذ مشارك جامعة الملك سعود