هناك مقولة يرددها البعض عندماتسأله عن شخص تربطك به علاقة أخوة وصداقة وزمالة وما إلى ذلك من العلاقات الاجتماعية فيرد بجواب يوحي لك من خلاله أن هذه العلاقة قد تجرح شهادته في هذا الشخص بقوله « شهادتي فيه مجروحة « أما أنا فقد أعارض هذا القول عندما يسألني سائل عن قامة بقامة الدكتور معجب الزهراني فأقول في هذا المقام شهادتي فيه ليست مجروحة بل هي حقيقة وناصعة فهو ممن جمع بين عدة ثقافات متنقلا بين أوروبا والعالم العربي إذ تخرج من جامعة السربون العريقة بعد أن تشرب من الثقافة الفرنسية المنفتحة عالميا على كل الثقافات بعد أن قضى سنين طوالا وهو يجمع بين الدراسة واختراق الثقافة الفرنسية وتطويعها لصالح ثقافته العربية الإسلامية فهو من هذا البلد ومن منطقة الباحة ومن وادي الصدر بزهران ذلك الوادي الذي تصب في سده الكبير مياه عشرات الشعاب والأودية لتكون مخزونه المائي فيما ظل ابن هذا الوادي وتلك القرية الحالمة ينهل من الآداب ما جعل مخزونه الثقافي تنوء به كثير من العقول عاد ليعمل في جامعة عريقة إنها جامعة الملك سعود بالرياض التي تخرج على يديه منها مئات الشباب والفتيات الذين ساهموا بعلمهم في بناء ثقافة وتعليم أبناء وبنات هذا الوطن.
لم يقتصر هذا الرجل على عمله في الجامعة كأستاذ في مجال تخصصه بل امتد عطاؤه في الساحة الثقافية والإعلامية ومجالات البحث وقنوات الأدب كباحث وأديب وكاتب صحفي وناقد بارع وشاعر ومحب للفنون بجميع ألوانها وعاشق للفلكلور الشعبي وأكبر مطارد للتراث والموروث يتحدث بفصاحة ويتكلم بلهجة سكان الباحة بحسب المكان والزمان سريع التصالح مع نفسه ومع الآخرين ولعمري أن من تجتمع فيه كل هذه الصفات وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره فإنه بالتأكيد مشروع لرصد مناقبه وطرحها أمام القراء والرأي العام وبالذات الشباب وبخاصة من أتيحت لهم فرص الابتعاث الخارجي بأن يتأسوا بمثل هذا الرجل في ثقافته التي جمعت بين الثابت والمتغير في آن واحد.
الدكتور معجب لي به علاقة وأشيد به في هذا المقام لعاطفته الجياشة وروحه الجميلة التي عانقت روحي أثناء مرضي وتواجدي بالرياض أثناء مرضي بالتخصصي إذ لم يحرمني من زياراته ومزاحه الذي كان يخفف به وطأة المرض الذي ألم بي بل وكان يأتيني وبرفقته بعض القامات من جامعة الملك سعود ومنهم الإخوة مع حفظ ألقابهم عبد العزيز السبيل وصالح معيض والمناصرة وحافظ المغربي وصالح زياد وغيرهم والدكتور معجب عرفته من خلال عملنا في النادي الأدبي بالباحة عندما عمل إلى جانب زملاء آخرين كمستشارين لملتقى الرواية العربية التي حققنا من خلال ملتقياتها الخمسة إنجازا ثقافيا جعل من الباحة عاصمة للرواية العربية بفضل ما قدم والإخوة من مشورات كانت مداميك قوية في طرح القضايا الخاصة بالرواية وللعلم فإن الدكتور معجب عاشق للتراث فقد حاول أن يترجم ذلك في منزله السابق بالرياض الذي نقل إليه بعض مواد البناء القديم في الباحة وجسدها في الرياض حتى تحول منزله إلى متحف ثابت ولم يكتف بهذا بل جسد البناء القديم في منزله العامر في قريته بوادي الصدر إذ يعتبر علامة فارقة في مباني القرية من حيث المواد والطرق الهندسية التي بني بها منزله وما حوله من فضاءات وساحات ومصاطب وغطاءات نباتية.
يعتبر الزهراني من رواد الحداثة في الأدب بالمملكة العربية السعودية وظف ثقافته المتخصصة والتي جمعت بين الأدب المحلي والعالمي جسد هذا في كتاباته النقدية في الصحف السعودية وفي لقاءاته الإذاعية والتلفزيونية وفي محاضراته ومشاركاته في الأندية الأدبية اقتحم الرواية في أول مرة بكتابه «رقص» الذي حامت حول شخوصه بعض الآراء عندما جمع فيه بين بيئتين متباينتين في الشرق والغرب يراها كثير من القراء بأنها تجربة تخلق صراعا بين ناقد ومؤلف يعشق النقد وهل سينتصر بنقده المعهود على نفسه كمؤلف أم العكس أم أنه سيجامل نفسه بنفسه ويخلق مواءمة تجعله يهدئ من نقده الأدبي على تأليفه لهذه الرواية ؟
الدكتور معجب الزهراني أعتبره من الثائرين على الثقافة السطحية ومتمرد على الجمود يميل إلى التجديد مع الحفاظ على العادات والتقاليد وخاصة في بيئته الأولى الباحة بكامل كنوزها القديمة كأشخاص ومكان وسكان وبهذا الالتزام فهو كثير التواضع سواء في أحاديثه العامة أو حتى الخاصة فيما تراه ملتزما بثقافته المتخصصة ورأيه في كثير من القضايا وبالذات في ما يتعلق بالأدب وأنساقه يجادل بعلم ويصمت بحكمة ويتنحى ببصيرة وهانحن نقدم غيضا من فيض ما يتمتع به هذا العلم من أعلام المملكة العربية السعودية ومن أعلام منطقة الباحة على وجه التحديد الذي يزيدنا شرفا أن نتحدث عنه بما هو أهل له وعزاؤنا في التقصير أنه غني عن التعريف وأنه فوق ما نرى في مجال العلم والثقافة والأدب والله من وراء القصد.
- د. عبدالله غريب